عندما يخبرك أي شخص أن استقلال الطاقة هدف يمكن تحقيقه من خلال الاعتماد على أنواع الوقود الأحفوري التي تتم المتاجرة بها في السوق العالمي؛ مثل النفط والغاز الطبيعي والفحم... يجب أن تدرك أن هذا الشخص إما يحاول خداعك، أو أنه لا يفهم بنية أسواق الطاقة. ونظراً لأن أنواع الوقود الأحفوري يمكن نقلها إلى أي مكان في العالم، فإن منتجيها يسعون عادة للحصول على أعلى الأسعار ما لم تحل بينهم القوانين أو البنية التحتية وبين ذلك. يعني ذلك أن قدرة أي دولة على تحقيق الاستقلال في مجال الطاقة اعتماداً على إنتاجها المحلي من أنواع الوقود الأحفوري، أمر مشكوك فيه إلى حد كبير، أو أنه صعب التحقيق، وإليكم الأسباب التي تدعو لقول ذلك: 1 -الكوارث التي تقع في حقول إنتاج النفط ومعامل التكرير، تؤثر حتماً على مستوى الأسعار المحلية لأنواع الوقود الأحفوري في جميع الدول، سواء كانت تلك الدول تنتج كميات تكفي لاستهلاكها المحلي أو لا تنتج ما يكفيها. 2 -حتى البلدان التي تقوم بتصدير أنواع الوقود الأحفوري، وتدعم شراء طاقة تلك الأنواع من الوقود من قبل المشروعات والمستهلكين، تتأثر هي الأخرى بالأحداث الخارجية التي تتحكم في تحديد أسعار الطاقة التي تقوم بتصديرها. 3 -ما لم تكن شركات استخراج وتكرير وتسويق الوقود الأحفوري مملوكة من قبل الحكومة، فإنها تركز جهودها على تحقيق الأرباح في المقام الأول من أجل تعظيم عوائد حملة أسهمها، ودفع المرتبات المغرية لمديريها. والتركيز على تحقيق الأرباح لابد أن يدفعها لطلب أعلى الأسعار لمنتجاتها من أنوع الوقود الأحفوري التي تبيعها في مختلف أنحاء العالم، بصرف النظر عن تأثير ذلك على أمن الطاقة العالمي، أو على قدرتها هي على تحقيق الاستقلال في مجال الطاقة، باعتبارها دولة منتجة لتلك الأنواع وبكميات كبيرة تفوق حاجة الاستهلاك المحلي! والآن دعونا نرى كيف تؤثر تلك العوامل على الولايات المتحدة- تحديداً- التي دأبت فيها صناعة النفط والغاز وداعموها العالميون في وول ستريت، على الترويج في وسائل الإعلام لفكرة أنها ستصبح عما قريب قادرة على تحقيق الاستقلال في مجال الطاقة... ماذا سنجد؟ سنجد أن هذه الصناعة ذاتها تسعى في الوقت الراهن للحصول على إذن من السلطات المتخصصة لتصدير النفط للخارج، رغم أن إنتاج الولايات المتحدة من النفط الخام، والبالغ 6.3 مليون برميل يومياً هذا العام، يظل أقل إلى حد كبير من استهلاكها من منتجات النفط المكررة التي تشمل البنزين والديزل، والتي تبلغ في مجملها 16.2 مليون برميل في اليوم. صحيح أنه قد يكون من الممكن أن تستغني الولايات المتحدة عن استيراد النفط من الخارج، لكن الاحتمال الأكثر ترجيحاً هو أن ذلك لن يتحقق إلا من خلال تحقيق تقليص جذري في استهلاك النفط، وهو ما يمكن تحقيقه جزئياً من خلال تحويل نظام المواصلات في الولايات المتحدة بكامله للعمل بطاقة الكهرباء، واتباع إجراءات جذرية في مجال المحافظة على الطاقة وتوفيرها. وحتى إذا ما افترضنا أن إنتاج النفط والغاز قد ارتفع بصورة كبيرة نتيجة لاكتشافات جديدة مثلا -وإن كان هذا يمثل احتمالا ضئيلا- ألا نستطيع أن نفترض في مثل هذه الحالة أن الشركات التي تمتلك حق استخراج النفط والغاز الجديد ستطلب الحصول على أذون استيراد لتصدير منتجاتها للخارج للاستفادة من ارتفاع أسعارها في السوق العالمي؟ بناءً على ما تقدم يكون السؤال: هل هناك شيء يمكن أن يجعل اقتصاداً ما قادراً بالفعل على تحقيق الاستقلال في مجال الطاقة. الإجابة نعم يمكن هذا، لكن بعد توافر شرطين أساسيين قد يصعب تحقيقهما: الأول؛ تحقيق خفض جذري في استخدام الطاقة من خلال إعادة تجهيز المباني وفقاً لما يعرف بـمعيار المنازل السلبي. فهذا الإجراء وحده يمكن أن يلغي تقريباً الحاجة لحرق الوقود لتدفئة المنازل. وثانيهما تطبيق كهربة نظام المواصلات، أي تحويله بالكامل إلى النظام الكهربائي. وقد يتطلب الأمر كذلك -إضافة إلى الشرطين السابقين- إعادة تصميم الطريقة التي نعيش بها، بحيث يسمح لنا فضاؤنا المديني بالعمل والتواصل والتسوق في أماكن قريبة من الأماكن التي نعيش بها. هذه الحلول، كما ألمحنا آنفاً، تبدو عصية أو باهظة التكلفة أو غير عملية إلى حد ما، كما أنها تتطلب وقتاً طويلا. وفي رأينا أن الطريق العملي، والدائم، والمتاح بالفعل لتحقيق الاستقلال في الطاقة من قبل أي دولة، هو أن تتخلى تلك الدولة عن التشدق بالقدرة على تحقيق ذلك الاستقلال استناداً على إنتاجها من أنواع الوقود الأحفوري، وأن تتجه نحو مستقبل الطاقة الذي تتضح معالمه أمامها والقائم على أنواع الوقود البديلة. وهذا الطريق البديل لتحقيق الاستقلال في الطاقة نادراً ما تتم مناقشته، حيث نجد أن العالم بأسره، وليس الولايات المتحدة فحسب، يركز اهتمامه في المقام الأول على زيادة إنتاج أنواع الوقود الأحفوري باعتبار أن ذلك وحده هو الطريق لتحقيق استقلال الطاقة، في حين أن ذلك ليس هو المطلوب كما أوضحنا. كيرت كوب كاتب أميركي متخصص في شؤون العلوم والتقنية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»