خلال اللقاء الذي أجراه في 30 ديسمبر 2012 مع برنامج «قابل الصحافة»، الذي تقدمه شبكة تلفزيون "إن. بي. سي"، اعترف أوباما بأن أسوأ يوم قابله أثناء رئاسته، كان قبل موعد اللقاء بأسبوعين، وتحديداً في الرابع عشر من الشهر نفسه. ففي ذلك اليوم قُتل عشرون طفلاً وسبعة بالغين منهم معلمون، في مدرسة ساندي هوك الابتدائية، في مدينة نيوتاون بولاية كونيكتيكت، على يدي شاب مختل عقلياً مسلح ببنادق هجومية ومسدسات متطورة. وفي معرض استجابته لهذا الحادث البشع وغيره من الحوادث التي تضمنت استخدام الأسلحة، قال أوباما: "إن شيئاً جوهرياً يجب أن يتغير في أميركا". والسؤال هنا: هل سيكون لهذا الحادث البشع أي تأثير على تقليص القدرة على امتلاك بنادق هجومية؟ السبب الذي يدعو لطرح هذا السؤال هنا، هو أننا نلاحظ أنه في أعقاب أي مذبحة كبرى، لها علاقة بموضوع استخدام السلاح وسهولة الحصول عليه في الولايات المتحدة، سواء وقعت مثل تلك المذبحة في المدارس، أو في مراكز التسوق، أو مكاتب الشركات، أو في أماكن العبادة... نشهد اندلاع موجة عارمة من الغضب الشعبي المصحوب عادة بحملات صحفية شعواء تطالب بتطبيق قوانين أكثر صرامة لامتلاك وحيازة السلاح. لكن ما يحدث في كل مرة، أن هذا الغضب الشعبي والحملات الصحفية لا يستمران طويلاً، إذ سرعان ما تفتر حدتهما. ليس هذا فحسب، بل إن ما يحدث في الواقع العملي هو أن قوانين حيازة وحمل السلاح تتحول إلى العكس لتصبح أقل صرامة في معظم الولايات. الدليل على ذلك، أن هناك في الوقت الراهن عدداً متزايداً من الولايات يسمح بحمل سلاح مخف في الأماكن العامة. ورغم ذلك، يتعين الاعتراف بأن النقاش العام منذ حادث إطلاق النار الدموي في "ساندي هوك"، قد أصبح أكثر حرارة، وهو ما يرجع لأعمار الضحايا من ناحية، وللتغطية الإعلامية الواسعة النطاق التي حظي بها الحادث، وأنواع الأسلحة المتطورة التي استخدمها القاتل. وعلاوة على ذلك، فقد انضمت للنقاش هذه المرة مجموعة من الأصوات المحافظة التي عبرت هي الأخرى عن شكواها من قوة نفوذ الجمعية الوطنية للبنادق، والتي تعتبر حتى لحظتنا الحالية أقوى جماعة ضغط ضد فرض مزيد من القيود على اقتناء وحمل السلاح. ويأمل بعض المتفائلين أن شيئاً ما سوف يحدث هذه المرة، لوضح حد لتلك السهولة البالغة التي كان يمكن بها لأي شخص شراء أسلحة عسكرية الطراز، وبنادق هجومية من مخزن لبيع الأسلحة، أومن أسواق السلاح المنتشرة في العديد من المدن الأميركية. وقد أشار أوباما إلى ثلاثة مقترحات قانونية تهدف لتقليص القدرة على امتلاك وحيازة "الأسلحة العسكرية الطراز"، المقترح الأول: إعادة تطبيق قانون وطني كان مطبقاً من قبل لحظر بيع الأسلحة الهجومية. وهذا القانون كان قد تم البدء في تطبيقه عام 1994، لكنه ألغي عام 2004 نتيجة للضغوط القوية لشركات إنتاج وبيع الأسلحة، والعديد من الزبائن الذين يقتنون منتجاتها. أما القانون الجديد الذي سيطبق، فسوف يضع قيوداً على بيع مخازن الذخيرة ذات السعة العالية، أي تلك التي تحتوي على عدد كبير من الطلقات، والتي يمكن تركيبها على المسدسات نصف أوتوماتيكية كي تطلق ما يقرب من 30 طلقة خلال ثوان. وفيما يخص القانون الثالث، فإنه سوف يتطلب إجراءات تدقيق أكثر صرامة على الخلفيات الجنائية للأشخاص الذين يشترون البنادق الهجومية وخصوصاً أثناء معارض السلاح التي تقام مرات عديدة في أنحاء مختلفة من البلاد كل عام. وتجب الإشارة هنا إلى أن تلك القوانين المقترحة من قبل الرئيس، إذا ما قورنت بالقوانين المطبقة في الديمقراطيات الغربية الأخرى بشأن شراء وامتلاك الأسلحة، فإنه تعتبر ضعيفة، ولا تعالج المشكلة الأساسية المتعلقة بالأعداد الهائلة من الأسلحة المتوافرة في أيدي المواطنين الأميركيين العاديين والتي تقترب في الوقت الراهن من 300 مليون قطعة. وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن ما يقرب من 30 ألف أميركي يلقون حتفهم سنوياً في حوادث لها علاقة بالأسلحة، بما ذلك حوادث القتل، والانتحار، والقتل الخطأ. على الرغم من تلك الإحصائيات المخيفة، فإنه يستحيل على أي أحد فهم ثقافة السلاح في أميركا من دون إدراك الجذور التاريخية للولايات المتحدة، والوضعية الأسطورية التي كانت تحظى بها قوات مليشيات المتطوعين في شمال أميركا لقدرتها على الحصول على البنادق واستخدامها خلال معارك الثورة الأميركية ضد البريطانيين. وكنتيجة لتلك التجربة التاريخية، أضيف التعديل الثاني الشهير على الدستور الأميركي عام 1791 مع "وثيقة الحقوق". وهذا تعديل قصير، ومفتوح لتفسيرات وتأويلات عديدة، خصوصاً في ضوء تقنيات السلاح الجديدة. فهو مثلاً يحتوي على فقرات كانت مناسبة للزمن الذي جرى تعديله فيه، لكنها لم تعد كذلك في الوقت الراهن، مثل: "نظراً لأن أمن الدولة الحرة يحتاج إلى ميلشيا حسنة التنظيم، فإن حق الناس في حمل وحيازة السلاح، لا يجب الافتئات عليه". فبالنسبة لمن يتبنون التفسير الحرفي للنصوص، فإن هذا التعديل يعني حرية الحصول على كافة أنواع الأسلحة، أما الذين يدعون إلى تنظيم امتلاك وحمل السلاح، فإن ذلك التعديل لم يكن يعني أبداً أن من حق المرء أن يمتلك مدافع رشاشة وبنادق هجومية. وما لم يتمكن النقاش الحالي من تغير العديد من الآراء السائدة في الكونجرس، وفي أوساط الجمهور فإنه من غير المحتمل أن يكون هناك أي تغيير ذي معنى في القوانين الحالية. وبالنسبة للأميركيين، وخصوصاً هؤلاء الذين يعيشون في المناطق الحضرية، فإن ذلك في الواقع يمثل احتمالاً يدعو للحزن والاكتئاب.