بعد 22 شهراً من الحرب الأهلية المحتدمة، التي لقي فيها ما يقرب من 60 ألف شخص مصرعهم، ألقى بشار الأسد خطاباً متحدياً، استبعد فيه إمكانية الدخول في مفاوضات مع مقاتلي المعارضة، وأوضح بشكل واضح أنه ينوي البقاء في السلطة إلى أطول مدى ممكن. وفي الحقيقة أن كلمات الأسد لم تمثل مفاجأة كبيرة لكثيرين، وذلك لأن الدبلوماسيين المخضرمين المهتمين بالأزمة في سوريا، ومنهم الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان، حاولوا التوصل لصفقة سلام في هذا البلد ولكنهم فشلوا فشلاً ذريعاً. ولكن السؤال هنا هو: لماذا تتواصل هذه الحرب؟ من بين الأسباب الرئيسية لاستمرار الحرب حتى الآن أن أياً من الجانبين لا يصدق أنه يمكن أن يخسر. فالمعارضة تسيطر على مساحات كبيرة من الأراضي، كما نجحت في ترسيخ وجودها في أجزاء عديدة من سوريا وعلى وجه الخصوص في الشمال والشرق. كما كوّنت مؤخراً بنية سياسية وعسكرية موحدة، وحصلت على اعتراف بها من عدد كبير من الدول. أما حكومة الأسد فيمكنها من جانبها أن تجد عزاءً في حقيقة أن الثوار فشلوا حتى الآن في الاستيلاء على أي مدينة من المدن الكبيرة، وعلى وجه الخصوص حلب المركز التجاري لسوريا ودمشق عاصمتها. يشار إلى أن مقاتلي المعارضة قد تسلموا أسلحة وغيرها من أنواع الدعم اللوجستي من بعض دول الجوار، ما أدى إلى جعلهم أكثر جسارة، وأكثر قدرة على خوض المعارك ضد قوات النظام، وإن كان حسم تلك المعارك يظل أمراً غير مؤكد حتى الآن نظراً لما يمتلكه جيش النظام من تفوق هائل على المعارضة في قوة النيران. ونظراً لأن كلا الطرفين يعتقدان أنهما لن يخسرا القتال الدائر، فإن أياً منهما ليس لديه الاستعداد لإيقاف القتال والدخول في مفاوضات مع الطرف الآخر. ومن الأسباب الأخرى لاستمرار القتل أيضاً ذلك السبب المتعلق بتذبذب الأقليات السورية المختلفة بشأن رأيها حول أي حكومة مستقبلية تهيمن عليها الأغلبية السنية العربية وهل ستكون في مصلحتها أم لا. فالأكراد في الشمال الشرقي على سبيل المثال، ظلوا بعيدين عن القتال الدائر إلى حد كبير، وركزوا بدلاً من ذلك على اقتطاع أجزاء من الأرض يأملون على أقل تقدير في أنها ستصلح لتكوين ذلك النوع من مناطق الحكم الذاتي المشابه لما حصل عليه أشقاؤهم في العراق، عقب الإطاحة بنظام صدام. ولا يرجع هذا الموقف من جانب الأكراد إلى أنهم يحبون نظام بشار، وإنما يرجع إلى أنهم يعتقدون أن انتصار المعارضة قد يعرض الأقليات في سوريا بشكل عام للمزيد من القمع. ومن المعروف أن الأسد الذي ينتمي إلى الطائفة العلوية التي تشكل 12 في المئة من إجمالي عدد السكان، يحتاج إلى دعم المجموعات العرقية الأخرى التي تتشكل منها الأقليات السورية التي يصل عددها إلى 12 أقلية أو نحو ذلك، والتي تكوّن في مجموعها ما يقرب من ثلث عدد سكان البلاد، حتى يتمكن من الاستمرار في الإمساك بزمام السلطة. ولذلك السبب، حرص الأسد خلال فترة حكمة على إضفاء حمايته على تلك الأقليات وهو ما جعل أبناءها يتشككون في أن تفعل أي حكومة سورية يهيمن عليها العرب السنة تحكم البلاد عقب سقوطه الشيء ذاته. ومنطق مماثل لهذا المنطق، هو الذي جعل العديد من العرب السنة يظلون موالين لنظام الأسد وخصوصاً بعض المهنيين من سكان المدن والمثقفين والموظفين البيروقراطيين المستفيدين من النظام، الذين يشعرون بأن ما يجمعهم بالحكومة الجديدة التي يمكن أن تتولى الحكم في سوريا، أقل مما يجمعهم بنظام الأسد الحالي. وعلى رغم بعض حالات الانشقاق التي شملت بعض المسؤولين الكبار، إلا أن نظام الأسد احتفظ مع ذلك بأعداد كافية من أعضاء الجهاز البيروقراطي والقوات المسلحة لحكم الأماكن التي لا يزال يسيطر عليها، ومواصلة خوض القتال الضاري المندلع في الوقت الراهن في سوريا. وقد تمكن الأسد حتى الآن على الأقل من الاحتفاظ بولاء الجيش وجهاز الأمن اللذين يشكلان دعامة من الدعامات المهمة التي ساعدت على بقائه حتى الآن. وفي التاريخ الحديث للشرق الأوسط كان القادة الذين فقدوا زمام السيطرة على جيوشهم هم من يفقدون زمام السيطرة على بلادهم في نهاية المطاف كما أثبتت ذلك الانتفاضات التي جرت في عدد من البلدان العربية خلال العامين الماضيين. إذن أين يترك هذا كله سوريا؟ إنه لا يتركها في مكان مريح. فالنظام لا يبدو عليه حتى الآن أنه قد فقد شهيته للدماء، ولربما يعتقد في قرارة نفسه أنه قادر على مواصلة القتال إلى ما لا نهاية حتى لو اضطر لذلك من حصون وقلاع علوية (تقع بشكل أساسي في المنطقة الساحلية بين اللاذقية وطرطوس) -في حالة ما إذا تمكنت المعارضة من السيطرة على العاصمة دمشق. أما المعارضة من جانبها فقد حصلت من خلال تضحيات جسام على خبرات قتالية كبيرة خلال المعارك التي خاضتها طيلة ما يقرب من عامين ضد قوات النظام، مما جعلها أكثر قدرة بكثير على خوض المعارك مما كانت عليه خلال الشهور الأولى من الانتفاضة. وهي الآن مسلحة بشكل أفضل أيضاً، والدعم الدولي لها يتزايد في نفس الوقت الذي ينحسر فيه عن نظام الأسد. ولكن نظراً لأن أياً من الطرفين لا يشعر أنه تحت ضغط يدفعه للتفاوض من أجل التوصل لتسوية تشمل المشاركة في السلطة، فإن عجلة الحرب السورية سوف تستمر في الدوران وفي حصد المزيد من الأرواح ــــــــــــــــــــــــــــ راجان مينون أستاذ العلوم السياسية بجامعة سيتي - نيويورك ينشر بترتيب خاص مع خدمة «أم. سي. تي إنترناشيونال»