لا يعتمد نظام «الآبارتايد» (الفصل العنصري) في إسرائيل على اختلاف اللون، كما فعل نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، حين سن قوانين للبيض وأخرى للسود الأفارقة والملونين والهنود، بل هو "نظام" صهيوني عنصري يعتمد الانتماء الديني. ومع ذلك، فإنه في التطبيق اليومي المعيش، "نظام" يستعيد الكثير من قوانين جنوب أفريقيا العنصرية، ولعل من أبرزها، حرمان الفلسطينيين العرب من أراضيهم ومصادرة وجودهم وتعزيز السيطرة اليهودية على أرض فلسطين التاريخية. وإذا أردنا فهم "الآبارتايد" الإسرائيلي على حقيقته، لابد من النظر إليه بشمولية باعتباره يتضمن كافة القوانين والسياسات والممارسات الإسرائيلية المتعلقة بالشعب الفلسطيني في أرضه التاريخية كلها، سواء فلسطين 1948 أو فلسطين 1967. و"يرقى" نظام الحكم الاحتلالي الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، أينما وجد، إلى نظام واحد متكامل من الفصل العنصري. واليوم، إسرائيل دولة تسير بخطى سريعة نحو "الآبارتايد"، وذلك من خلال قوانينها وتشريعاتها التي تنتهك حقوق الشعب الفلسطيني، وتمارس سياسة التمييز العنصري بحقه. ولقد بدأ انتشار توصيف إسرائيل على المستوى الدولي بأنها كيان "آبارتايد"، عوضاً عن تعريفها السابق بأنها "الدولة الوحيدة الديمقراطية"(!) في المنطقة، بسبب ممارساتها اليومية التي تشرعنها قوانين الكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، والفتاوى الدينية التي تصدر عن حاخاماتها. وفي هذا السياق، صدر في منتصف عام 2012، في الولايات المتحدة الأميركية كتاب جديد عنوانه "معرفة الكثير: لماذا يصل الحب الأميركي بإسرائيل إلى النهاية؟"، لمؤلفه نورمان فنكلشتاين، الأكاديمي الأميركي اليهودي، حيث ينتقد بشدة مؤسسات حقوق الإنسان الدولية لسكوتها على الجرائم التي ترتكبها إسرائيل بحق الإنسان الفلسطيني. كما ينتقد الكتاب، وبشدة أيضاً، "المجلس الأعلى للقضاء" في إسرائيل ويتهمه بالتواطؤ مع الحكومة الإسرائيلية لتمرير إجراءات غير قانونية وغير أخلاقية تنتهك حقوق الفلسطينيين في الأراضي المحتلة وفي إسرائيل أيضا. أما الدولة الصهيونية فترفض تعريف الآخرين لها بأنها نظام "آبارتايد"، لإدراكها أن أنظمة "الآبارتايد" محكوم عليها بالزوال. وقد أظهر استطلاع للرأي تم إجراؤه بين اليهود في إسرائيل أن معظم هذا الجمهور يؤيد انتهاج نظام "آبارتايد" ضد الفلسطينيين في حال ضم الضفة الغربية إلى إسرائيل. وقال معظم هؤلاء إن نظام "آبارتايد" موجود في بعض المجالات. كذلك، تبين من الاستطلاع ذاته، والذي نشرته صحيفة "هآرتس"، أن أغلبية اليهود الإسرائيليين يؤيدون بشكل علني وصريح التمييز العنصري ضد فلسطينيي 48، إذ قال 58 في المئة من المستطلعين إن نظام "آبارتايد" قائم في إسرائيل اليوم وقبل ضم الضفة إليها، وأيد 38 في المئة قيام إسرائيل بضم المناطق التي توجد فيها مستوطنات (مستعمرات) يهودية في الضفة. كما أيد ثلث المشاركين في الاستطلاع سن قانون يمنع فلسطينيي 48 من المشاركة في الانتخابات العامة، ورفض 68 في المئة منح الفلسطينيين في الضفة حق التصويت في مثل تلك الانتخابات في حال ضم الضفة إلى إسرائيل. بل إن 74 في المئة من المستطلعة آراؤهم، أيد منع الفلسطينيين من السير في الشوارع التي يسير فيها اليهود في الضفة، حيث قال 24 في المئة إن هذا «وضع جيد»، فيما قال 50 في المئة إن هذا الفصل في الشوارع «ضروري»، كذلك أيد 47 في المئة، أي قرابة نصف عدد اليهود، القيام بعملية «ترانسفير» (ترحيل قسري) لقسم من فلسطينيي 48 إلى أراضي السلطة الفلسطينية. ولقد تبين من الاستطلاع أن مواقف الحريديم (المتزمتين دينياً) هم الأكثر تطرفاً في كل ما يتعلق بالتعامل مع الفلسطينيين. فقد قال 84 في المئة منهم إنهم يعارضون منح حق التصويت للفلسطينيين، في حين أيد 83 في المئة منهم الفصل في الشوارع بين اليهود والعرب. كما أيد 71 في المئة من هؤلاء "الحريديم" التهجير القسري، مثلما أيد 70 في المئة منهم منع مشاركة فلسطينيي 48 في الانتخابات، وتأييد 95 في المئة منهم تفضيل اليهود على الفلسطينيين في القبول في مجالات العمل المختلفة. هذا على المستوى الشعبي. أما على المستوى السياسي الذي تمثله الأحزاب الإسرائيلية، فقد تجلت الرؤية العنصرية لحزب «الليكود» في انتخاباته الداخلية، وباتت تلك «الرؤية» سمة إسرائيل اليوم. بل إن «اليمينية» باتت سمة عامة تكتسب مشروعيتها بين الأحزاب السياسية على مشاريع القمع والترحيل ضد الشعب الفلسطيني. فالمجتمع الإسرائيلي والأحزاب السياسية تميل نحو اليمين ونحو أقصى اليمين، حتى أصبحت النزعة العدوانية تسوغ وحشية الجرائم والمذابح التي ترتكبها حكومة نتنياهو. ورغم ما تدعيه إسرائيل بشأن المساواة وإدانتها للعنصرية، إلا أن الكنيست صادق على عشرات القوانين التي تضمن الحقوق الجماعية لليهود على حساب المواطنين العرب. كما تبنّت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة عشرات القرارات، واتخذت مئات الإجراءات التي تنطوي على تفرقة عنصرية واضحة ضد العرب، بدءاً من رصد موازنات ضئيلة للقرى والمدن العربية، أو عدم اعترافها بعشرات القرى والتجمعات البدوية، وانتهاءً بتنفيذ القانون بشكل عنصري وغير متساو. وفي ضوء (بل ظلام) هذا الواقع، يزداد حجم المفارقة بين ممارسات الدولة الصهيونية وبين أقوالها وتعهداتها. فإسرائيل كانت قد صادقت على الإعلان العالمي للقضاء على كافة أشكال التمييز العنصري في عام 1979، وأعلنت انضمامها إليه. كما جاء فيما يُعرف بـ «وثيقة الاستقلال»: «على دولة إسرائيل أن تضمن المساواة في الحقوق الاجتماعية والسياسية بشكل تام لكل مواطنيها، دون الالتفات إلى الدين أو العرق أو الجنس». كذلك، عرّف القانون الإسرائيلي العنصرية بأنها «الملاحقة، أو الإهانة، أو الاحتقار، أو العداء، أو العنف، أو التسبب بأضرار تجاه مجموعة سكانية بسبب اللون، أو الانتماء العرقي، أو القومي أوالإثني». ومن جهتها، وفي مقال للكاتبة الإسرائيلية والصحفية الليبرالية أميرة هاس، نشر في «هآرتس»، كشفت عن بعد إضافي للمفارقة بتسجيل حقيقة تتضمن تحذيراً من «أن السؤال كان ولايزال: كم من إراقة الدماء والعذاب والنكبات نحتاج حتى ينهار نظام التمّيز والفصل اليهودي الذي أسسناه خلال أربع وستين سنة الماضية؟ إننا الآن في نهاية لعبة النظام اليهودي، لأنه رفض حل الدولتين وحاول أن يقلد الأنموذج الأميركي، إذ إن الأميركي الأبيض الأنجلو ساكسوني البروتستانتي (الواسب) اتبع سياسة التطهير العرقي تجاه ما يعرف مجازياً بالهنود الحمر، والصفة الأصح هي السكان الأصليون». لكن على من تتلو هاس مزاميرها؟ وأين الآذان الإسرائيلية الرسمية التي تسمع والعيون الصهيونية اليمينية التي ترى؟!