يعد الطريق الممتد ما بين مدينة ( أورومكي) عاصمة مقاطعة ( هينجيانج) الشاسعة التي تقع في غرب الصين وبين مدينة ( توربان) الواقعة على بعد ساعتين من ( أورومكي)، من أجمل الطرق التي يمكن أن تقع عليها عين إنسان. ولكن عندما قمت بالسفر على هذا الطريق الشهر الماضي، لم أتمكن للأسف الشديد من تبين المعالم الطبيعية الفاتنة الواقعة على جانبي الطريق، والتي تتراوح ما بين الجبال الشاهقة، وكثبان الرمال الرائعة، وقوافل الإبل التي يقودها الرعاة من قومية الكازاخ.كان السبب عدم رؤيتي لتفاصيل ذلك الجمال، هو تلك السحابات القاتمة من الدخان التي كانت تنبعث من مصافي الغاز الطبيعي، ومناجم الفحم الواقعة بالقرب من الطريق، والتي أدت إلى انعدام الرؤية تقريبا أمام السائقين، وعندما وصلت إلى مدينة ( توربان) وجدت أن غطاء ماكينة سيارتي قد تغطى تماما بالسخام. ومقاطعة ( هينجيانج) التي تقع على الحدود مع باكستان، ودول آسيا الوسطى، ومنغوليا ليست هي الوحيدة التي تتعرض إلى هذا التلوث. فعلى رغم أن المراقبين الأجانب، لم يكونوا غافلين عن المشكلات الاقتصادية والاجتماعية المختلفة التي تعترض طريق النمو الاقتصادي الصيني، مثل الفساد المستشري، والحكم الشمولي، والبطالة السائدة، إلا أنهم أغفلوا أن الصين قد أصبحت في الوقت الراهن موطنا لبعض من أكبر المشاكل البيئية في العالم.
وقد بدأت ملامح تلك المشاكل، التي تهدد بالتحول إلى كارثة بيئية تتكشف تدريجيا. فهناك في الوقت الراهن دراسات موثقة، تبين كيف أن نوعية الهواء الموجود في ثلثي عدد المدن الصينية، قد أصبحت تقل كثيرا عن المعدلات التي وضعتها منظمة الصحة العالمية، بل إنها تعد من أعلى مستويات التلوث في الدول الكبرى في العالم. ليس هذا فحسب بل إن الأبحاث تشير إلى أن ستا من بين المدن العشر الأكثر تلوثا في العالم توجد في الصين حاليا.
إضافة لذلك ونتيجة لاجتثاث أعداد هائلة من الأشجار من الغابات الصينية، فإن مساحة الغابات في البلاد انخفضت بمقدار يزيد على النصف خلال العقدين الأخيرين. في نفس الوقت الذي تزايدت فيه مساحة الأراضي الصحراوية في مختلف أنحاء البلاد بمعدلات تدعو للقلق.
أما الجهود التي تبذلها السلطات في مجال التشجير، وزيادة مساحة الأراضي الخضراء فقد منيت بفشل ذريع.. حيث لم يكن لها أي دور في إيقاف ظاهرة التصحر، التي تفاقمت إلى الحد الذي جعل صحراء (جوبي) التي تمتد عبر آسيا الوسطى بكاملها، تزحف لتصل إلى أطراف مدينة بكين، بل وتتسبب في تعرض العاصمة لعواصف عاتية من الغبار خلال فصل الصيف تصل ذراتها أحيانا حتى حدود كوريا الجنوبية.
أما المياه فقد وصل التلوث بها إلى درجة أن لمسها في حد ذاته قد أصبح خطرا يؤدي إلى الإصابة بأمراض جلدية عديدة. وأصاب التلوث أيضا (النهر الأصفر) الذي يعد الشريان الرئيسي للحياة في الصين، لدرجة أن 600 مليون صيني أي نصف عدد السكان تقريبا، أصبحوا يشربون الآن مياها ملوثة بالفضلات البشرية.
والكارثة البيئية الصينية ترجع إلى العديد من الظواهر. فعلى مدار العقدين الماضيين شهدت الصين ظاهرة الهجرة غير العادية من المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية. وتشير الإحصائيات إلى أن ما يزيد على 200 مليون صيني قد قاموا بالهجرة من الريف إلى المدن خلال تلك الفترة بحثا عن العمل، الأمر الذي شكل ضغطا على المرافق المتهالكة في تلك المدن، وأدى بالتالي إلى استفحال التلوث. الظاهرة الثانية التي ساهمت في زيادة نسبة التلوث في الصين، هي استشراء النزعة الاستهلاكية، وإقبال أعداد متزايدة من الصينيين على شراء سيارات جديدة، مما أدى إلى زيادة ضخمة في أعداد السيارات التي ساهمت في تفاقم الزحام في شوارع المدن، ونتج عنها ضخ كمية هائلة من العوادم التي أصبحت تلوث الجو، خصوصا أن المعايير المطبقة للحد من الإنبعاثات الغازية لا يتم الالتزام بها بشكل دقيق في الصين.
الظاهرة الثالثة، هي اتجاه الصين إلى تسريع خطواتها الرامية إلى التصنيع دون أن تضع القيود والمحددات اللازمة لذلك. يكفي هنا أن نشير إلى أن عدد الموظفين العاملين في الهيئة المنوط بها حماية البيئة في الصين، لا يصل إلى واحد على مئة من عددهم في الهيئة المماثلة في الولايات المتحدة الأميركية. والمسؤولون الصينيون غير غافلين عن مخاطر التصنيع السريع، ويعرفون جيدا أن الأضرار التي ستلحق بالبيئة، سوف تصبح أضرارا دائمة غير قابلة للعلاج إذا ما تركت الأمور على حالها. والمشكلة تكمن هنا في أن الازدهار الذي حققه الاقتصاد الصيني قد ساهم من جانب آخر في إفساد الكثيرين من المسؤولين الصينيين، وخصوصا من أعضاء الحزب الشيوعي الحاكم، حيث جعلهم يغضون الطرف في أحيان كثيرة عن تطبيق القواعد والضوابط البيئة المطلوبة، مقابل رشاوى تدفع لهم من قبل أصحاب المصانع.
والمواطن الصيني سوف يعاني كثيرا من جراء بناء مئات المصانع الجديدة، حيث تشير تقديرات هيئة حماية البيئة في الصين، إلى أن كمية الكربون والنيتروجين وغيرهما من الغازات التي أ