حضرت فعالية مهرجان الجنادرية في الرياض بالسعودية هذا العام، وفوجئت بالأعداد الكبيرة من الشعراء والأدباء والكتاب والأكاديميين والباحثين العرب المدعوين للمهرجان. المفاجأة بالنسبة لي هي لقائي بالأكاديميين والمفكرين والأدباء من العراق الشقيق، وكانوا بأعداد كبيرة، بعضهم جاء من أوروبا والبعض جاؤوا من البلاد العربية، والبعض الآخر قدم مباشرة من العراق. لقد أتاح مهرجان الجنادرية للأخوة العراقيين، من جميع الطوائف السياسية، فرصة الحضور، فبعضهم خلفتيه ماركسية، والبعض منهم ذو توجه قومي، ومنهم الليبراليون، ومنهم غير منتمين لأي تجمع سياسي. ما يجمع كل هؤلاء هو حبهم للعراق وعشقهم لوطنهم وإن اختلفت مدارسهم ووسائلهم العلمية والفكرية... لكنهم جميعاً يطمحون إلى أن يروا العراق الجديد مستقراً وديمقراطياً ومدنياً، بعيداً عن الاستقطاب المذهبي. لكن لماذا استضافت السعودية في مهرجانها الثقافي المفكرين العرب والعراقيين بأعداد كبيرة هذا العام؟ مهرجان الجنادرية هو مهرجان عربي وليس سعودي، الحضور ليس هدفهم فعاليات المهرجان على أهميتها، بل الهدف الرئيسي هو تواصل السعوديين مع إخوتهم العرب عموماً، واستضافة العراقيين من الشتات في الرياض هدفه التحاور والتواصل والنقاش حول جميع القضايا العربية الشائكة، ومنها ما يحصل في العراق وما الذي يمكن أن يفعله العرب لمساعدته في محنته. علينا أن نشيد بالجهود الكبيرة التي تبذلها السعودية من أجل استضافة العرب في مهرجانها الثقافي، ومنهم العراقيون، لأنها بهذه الخطوة تمهد الطريق للتواصل العربي وتعزيز العلاقة بين المفكرين العرب مع إخوتهم في أرجاء الأمة العربية كلها. لقد ازداد اهتمام دول الخليج في الفترة الأخيرة بدعوة أخوتهم في العراق للمشاركة في المهرجانات العلمية والثقافية الخليجية، وهذه خطوة مباركة وسليمة في اتجاه استعادة العلاقات الطبيعية، لكن تبقى الكويت الدولة الوحيدة التي لا تزال تتردد في فتح أبوابها أمام الأكاديميين ورجال الأعمال العراقيين، ويعود ذلك إلى الآثار النفسية التي تركها الغزو الغاشم عام 1990. الكويت اليوم من أكثر دول الخليج حاجة لتوثيق علاقاتها بالعراق، فالموقع الجغرافي شمال الخليج والارتباطات التاريخية والعائلية والتجارية والمصالح المشتركة، تفرض علينا في الكويت إعادة النظر في بعض السياسات، خصوصاً وأن هناك قطاع كبير من الكتاب والأكاديميين والفنانين والأدباء العراقيين الذين تربطهم علاقات وثيقة بالكويت، فبعضهم كتب مؤلفات عن الغزو الغاشم وعن أهمية استعادة العلاقات الطبيعية بين البلدين. والسؤال حول التواصل مع الشعب العراقي وحكومته مهمٌ اليوم بالنسبة لدول الخليج، وهنالك أسباب كثيرة أهمها أن الحوار مع العراقيين قد يساعد على إيجاد تسوية داخلية عراقية سلمية تؤدي بالأطراف المختلفة المتصارعة إلى الجلوس وحل الخلافات، خصوصاً الخلاف السني الشيعي. وهنا يأتي دور المثقفين والأكاديميين على مستوى الوطن العربي، فهم محايدون في معظم الحالات ولا ينتمون لحركات الإسلام السياسي التي خلقت الفتن بين السنة والشيعة. لقد أهمل العرب والحكومة العراقية منظمات المجتمع المدني العربية والعراقية التي يمكن أن تلعب دوراً في التواصل بين الشعوب العربية. وتستضيف العراق هذا العام «عاصمة الثقافة العربية»، وبغداد الرشيد مهيأة لهذه المناسبة إذا أتيحت الفرصة للشعراء والأدباء والفنانين والموسيقيين لإبراز مواهبهم، بعيداً عن الحرب غير المعلنة بين الأحزاب الطائفية. من المهم لدينا نحن العرب بشكل عام والخليجيون بشكل خاص عدم ترك العراق ضحية لقوى إقليمية قوية تريد العبث بأمنه واستقراره وكيانه. علينا أن نعي أنه كلما ضعف العراق تمددت هذه القوى الإقليمية في الخليج.