شهد العراق سلسلة من العمليات الإرهابية والتفجيرات والاغتيالات قبل إجراء الانتخابات لاختيار مجالس المحافظات يوم السبت 20 أبريل. وقد شهدت كل من مصر وتونس وليبيا بعضاً من مظاهر العنف في الانتخابات الأخيرة، وإن كانت أقل حدة من العراق. لماذا تزداد وتيرة العنف السياسي في الانتخابات العربية؟ ولماذا يدب الخلاف وتزداد وتيرة المنافسة لتصل إلى التصفيات الجسدية أحياناً؟ وما هي الأسباب والدوافع لمثل هذه الظواهر في «أعراس الديمقراطية» في الوطن العربي؟ وهل يعود السبب إلى عدم تعود العرب على الانتخابات التعددية؟ أم إلى طبيعة الأحزاب والحركات السياسية؟ أم أن الأمر يتعلق بطبيعة القادة العرب الذين لا يؤمنون بالديموقراطية والتعددية السياسية ومفهوم تداول السلطة؟ ومن المفارقات الغريبة أن ذلك يحدث بعض الدول العربية التي شهدت انتخابات حرة في فترة الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي، قبل الانقلابات العسكرية في كل من مصر وسوريا والعراق. فقد جربت هذه الدول الانتخابات الحرة في عهد الأنظمة الملكية، وكان هناك قبول لتداول السلطة بين الأحزاب السياسية المعاملة آنذاك، قبل انقلاب عبدالناصر في مصر عام 1952 وانقلاب عبدالكريم قاسم في العراق عام 1958 وانقلاب حسن الزعيم في سوريا أواخر الأربعينيات. الأنظمة الاستبدادية العسكرية التي حكمت الوطن العربي منذ الخمسينيات كانت لا تؤمن بالديمقراطية ولا بوجود الأحزاب السياسية المتنافسة؛ فالعسكر منعوا الحزبية في الوطن العربي وتم تأسيس أحزاب شمولية استبدادية تمثل وجهة نظر السلطة فقط (نظام الحزب الواحد)؛ حيث شكّل عبدالناصر «الاتحاد الاشتراكي»، وبعده تم تأسيس «الحزب القومي الاشتراكي»، وشكل «مبارك» حزبه «الوطني». في العراق وسوريا هيمن «حزب البعث الاشتراكي» على السياسة في البلدين لأكثر من أربعين عاماً، قبل أن تقوض ثورات «الربيع العربي» هذه الأنظمة وأحزابها الاستبدادية. ماذا حدث للأحزاب بعد ثورات «الربيع العربي»؟ هل أصبحت أكثر ديموقراطية؟ وهل تؤمن هذه الأحزاب بالحرية السياسية والتنافس على السلطة؟ ثورات «الربيع العربي» في كل من تونس ومصر سمحت بالعمل الحزبي، وتم تسجيل الأحزاب بمجرد الإخطار بعد استيفاء الشروط القانونية. وقد وصل عدد الأحزاب المسجلة في مصر حوالى 60 حزباً، وهنالك 100 حزب تنتظر التسجيل في تونس، وفي العراق تم السماح بالعمل الحزبي وسجلت العشرات من الأحزاب وربما المئات. لكن مشكلة هذه الأحزاب العربية الجديدة أنها ليست ذات نهج ديمقراطي ولم تمارس العمل الحزبي المفتوح الذي يسمح للأحزاب بالعمل العلني، لذلك جاءت طبيعة الأحزاب الجديدة انعكاساً للواقع العربي. فمعظم هذه الأحزاب ذات نهج ديني أو طائفي أو قومي متطرف (شوفيني) أو أحزاب انفعالية ذات نهج عرقي متعصب تطمح للانفصال عن العرب. كل هذه الأحزاب، رغم تعددها واختلاف توجهاتها ومبادئها، تعاني جميعاً من جمود أفكارها وغياب الديمقراطية الداخلية داخلها. بل في خضم هذه الفوضى برزت أحزاب عائلية وقبلية وطائفية. هذه الأحزاب هي السبب الرئيسي لانتشار ظاهرة العنف السياسي في الانتخابات، فحزب مثل «الإخوان المسلمون» تعوّد على العمل التنظيمي المغلق، ولم يتعود على العمل الديمقراطي داخل الحزب، فالأوامر تأتي من الأعلى «نفِّذ وبعدها ناقش»! هذه الأحزاب الإقصائية الانعزالية لا يمكن أن تنجح في تعزيز الديمقراطية وترسيخ مفهوم تداول السلطة. د. شملان يوسف العيسى