في الأسبوع الماضي، اقترحت لجنة الجامعة العربية المعنية إدخال تغيير على مبادرة السلام العربية لعام 2002 التي كانت قد وعدت فيها بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، إذا ما قامت الأخيرة بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها في حرب 1967، والتوصل إلى حل متفق عليه من خلال المفاوضات لقضية اللاجئين الفلسطينيين. وقد أدخلت الجامعة العربية تعديلاً إلى حد ما على ذلك، عندما أعادت لجنتها الأسبوع الماضي، التأكيد على أن حدود 1967 يجب أن تكون هي الأساس للمفاوضات الرامية للتوصل إلى سلام نهائي بين إسرائيل وفلسطين مع الاعتراف بأن فكرة "تبادل الأراضي" ستكون مقبولة في إطار هذه الصفقة. وفي الحقيقة أن ذلك يمنح إسرائيل تنازلاً كبيراً، حيث يسمح لها الاحتفاظ بالكتل الاستيطانية الكبيرة التي قامت ببنائها على الأراضي الفلسطينية منذ 1967. ومن المعروف أن بعض تلك المستوطنات يقع على امتداد حدود 1967، وبعضها الآخر يحيط بالقدس، في حين أن مستوطنات أخرى تمتد في قلب الضفة الغربية، وتقسم العديد من المناطق الخاصة بالأراضي الفلسطينية. وفي حين شجب بعض الفلسطينيين قرار لجنة الجامعة العربية ووصفوه بأنه يقدم لإسرائيل تنازلاً غير مبرر، إلا أن البعض في معسكر السلام الإسرائيلي وصفوا الخطوة بأنها تمثل اختراقاً مهماً. أما نتنياهو فقد صب من جانبه ماء بارداً على المقترح، عندما قلل من شأنه ووصفه بأنه غير ذي شأن، وأن ما كان يفصل الإسرائيليين عن الفلسطينيين دائماً لم يكن يتعلق بالأراضي. وهذا الرفض كان متوقعاً، بيد أن الشيء الغريب هو أن ذلك لم يحدث. فمن بين الحقائق التي يؤسف لها أن مناقشات الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، تتجاهل غالباً الحقائق المهمة التي تتحكم فيه. ففي أعقاب اجتماع الجامعة العربية المشار إليه، استمعت إلى مسؤول عربي كبير كان حاضراً في جلسات تقييم الوضع الحالي للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني. وقد بدأ هذا المسؤول بالإشارة إلى "حقائق" وصفها بأنها هي التي تحدد حالة الصراع الحالية. وتتمثل هذه الحقائق في أن إسرائيل قد تحركت نحو اليمين وتقودها حكومة أسيرة لحركة الاستيطان المتشددة غير الراغبة في تسليم ما تعتقد أنها أرض مقدسة موروثة. وأما الفلسطينيون فهم منقسمون، حيث لا يبدي أي طرف، سواء "حماس" أو "فتح"، رغبة في الالتزام بالتسوية. فـ"حماس" لا تريد أن تصبح مهمشة، والسلطة الفلسطينية لا تود أن تخسر التمويل والدعم الدولي مقتنعة تمام الاقتناع بأنه سيأتي عقب أية ترتيبات للتوحد مع "حماس". وأما الولايات المتحدة، فهي لا تستطيع أن تكون "وسيطاً نزيهاً" نظراً للاعتبارات السياسية في واشنطن، في حين يعيش العالم العربي حالة من الفوضى العارمة، حيث يشهد تحدي جماعات الإسلام السياسي في بعض المناطق، في الوقت نفسه الذي تمثل فيه إيران هاجساً دائماً لدول أخرى في المنطقة. وبعد أن قدم المسؤول تلك اللوحة القاتمة، انتقل النقاش إلى مناقشة الوضع الحالي لـ"عملية السلام" والخطوات التي يتم اتخاذها لإعادة إطلاق المفاوضات. وإذا كانت حكومة الائتلاف الإسرائيلي لديها نزعة تشددية موالية للمستوطنين، تحول بينها وبين تقديم أية تنازلات بخصوص الأراضي. وإذا كانت الحركة الفلسطينية ممزقة على نحو لا أمل في إصلاحه، والولايات المتحدة تعتبر غير قادرة على الضغط على الإسرائيليين لتغيير مسارهم، فإنه سيكون بمقدور المرء هنا أن يتساءل -عن حق: ما هو القصد من تقديم المزيد من التنازلات لإسرائيل من أجل اتفاقية سلام لن تقبل بها، وخصوصاً عندما يترتب على تلك التنازلات فصل القدس عن بيئتها الفلسطينية، وخلق المزيد من الشروخ في بنية الدولة الفلسطينية التي يفترض أنها ستقوم؟ إن تجاهل الحقائق في السياق الإسرائيلي الفلسطيني أمر له عواقبه. ففي الفترة التي سبقت عقد مؤتمر مدريد عقب انتهاء حرب الخليج الثانية على سبيل المثال، وافقت الدول العربية على إنهاء مقاطعتها الاقتصادية الثانوية لإسرائيل مقابل مشاركة إسرائيل في المؤتمر، وموافقتها على تجميد بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة. والآن وبعد مرور عشرين عاماً على ذلك المؤتمر نجد أن مباحثات السلام قد توقفت، وأن عدد المستوطنين الإسرائيليين الذين يقيمون في الأراضي الفلسطينية قد تضاعف ثلاث مرات. وبعد أن تخلى العرب عن أوراق الضغط التي كانت بحوزتهم، وجدوا أنه لم يعد لديهم أي نفوذ متبقٍّ يمكن استخدامه للضغط على إسرائيل. ولكن كل ذلك لا يشكل دعوة لعدم الفعل، بل يحث على الحذر وعلى تغيير الاتجاه. ومن بين الطرق التي يمكن استخدامها للمضي قدماً على هذا الطريق، النظر مجدداً إلى ما قاله أوباما في خطاب ألقاه مؤخراً في القدس، وتعهد فيه بالاستمرار في دعم إسرائيل مع مطالبة الإسرائيليين بالاعتراف بالفلسطينيين، والتعامل مع احتياجهم للعدل. وأعتقد أن ملاحظات الرئيس نابعة من اعتقاده بالحاجة للاعتراف بالحقائق في صياغة السياسات. ولكن السؤال هنا: إذا استمرت الولايات المتحدة في تقديم المزيد من التنازلات السياسية لحكومة نتنياهو، واللجوء بعد ذلك للضغط على العرب لتقديم المزيد من التنازلات، فكيف يمكن لهذا أن يغير الحسابات الإسرائيلية؟ لقد منح الرئيس بخطابه المودة للإسرائيليين، وهو مطالب الآن بمواجهتهم بالحقائق الخشنة. ولذلك يتعين على الولايات المتحدة، أن توفر فرصة للفلسطينيين تدفعهم قدماً نحو التسوية، وذلك من خلال توضيح أنه إذا ما قبلت "حماس" بشروط ثابتة لتشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية، فإن واشنطن ستدعم مثل تلك الاتفاقية وتحث الأطراف الأخرى في الرباعية على دعمهما أيضاً. وقصارى القول، إذا ما أخذنا في اعتبارنا الحقائق الحالية للصراع قد لا يكون السلام ممكناً؛ ولكن إذا أمكن تغيير الأحوال الراهنة في السياسات الإسرائيلية والفلسطينية، وإذا ما استطاعت الولايات المتحدة إظهار أنها قادرة على أن تكون عاملاً مساعداً وفاعلاً في هذا التغيير، فإن الأبواب الموصدة حالياً قد تفتح في النهاية.