منذ ثورة 25 يناير 2011 والشعب المصري يحدد مصيره، وحدث هذا في انتخابات 30 يونيو 2012 وتكرر ذلك في 30 يونيو 2013، وهكذا شعب مصر لا يرضخ لحزب معين ولا لأيديولوجيا تخرج الوطن خارج السياق. «الإخوان» راهنوا على صناديق الاقتراع ونسوا الشعب بكل أطيافه وتياراته وتوجهاته، فسقطوا لأنهم ذهبوا باتجاه واحد فاصطدموا بجدار الشعب الذي أعادهم إلى مكانهم ووزنهم الحقيقي في المجتمع وفي ميزان الواقع. عادت مصر بعد مرحلة «العزل» إلى حضن الشعب فهو الناطق الرسمي والشرعي باسم الجميع، فلا إقصاء ولا إلغاء، وإنما مصلحة مصر فوق الجميع، فأي حزب أو جماعة أو تنظيم يسعى إلى تنفيذ أجندة خاصة به لكي يتخطى سور الوطن فإنه خاسر لا محالة، فالرهان على الأوطان فيه مجازفة لا يمكن لأي حزب دفع الثمن لأن الوطن في ذاته أغلى من أي ثمن يدفع لانتهاكه أو الإضرار به ولو بشوكة، فكيف إن كان الأمر تخطى ذلك. مصر غير سوريا وتونس وليبيا واليمن، قال أصحاب الأفكار المعوجة العالم العربي واحد، ومنذ اندلاع هذا «الربيع» الحارق لمكتسبات الأوطان، والواقع يثبت أن الفروقات التي حسمت النتائج وليست الأنظمة أو رؤوسها التي تغيرت مرات في أزمنة قياسية في عمر السياسة التي يجب أن تحكم مسارات التغيير ليس الفكر الديني المؤدلج لكل تفاصيل حياة الإنسان ضحية هذه الثورات غير المتزنة ولا الموزونة بأي فهم سليم بعد أن تبين السقم طوال فترة الحراك العربي في دول التغيير الذي لم يأتِ بالأفضل إلى الآن. التغيير في مصر أثبت أن الشعوب إذا حكمت نفسها، فإن عليها أن تدفع التضحيات حتى يستقيم عودها وتصل إلى مبتغاها، فلا الأنظمة ولا رؤساؤها الأقوى، بل للشعب كلمة الفصل الذي يحيل أي حزب إلى الهامش أو التقاعد مهما زعم له من شعبية وحضور وانتشار، فالشعب هو الحاكم الفعلي والذي عليه قيادة الوطن إلى بر أمان الاستقرار. يمر شعب مصر اليوم بتجربة غير مسبوقة من الناحية الواقعية والسياسية، فعزل رئيس منتخب في ثلاثة أيام أمر يعبر عن حجم الاحتقان، وعلى الشعب المصري أن يثبت من جديد، لو جاء أي رئيس آخر يريد إعادة عقرب الساعة إلى الوراء فعلى الشعب أن يصبح عقرباً تلدغ ذلك الرئيس قبل أن يصل إلى مبتغاه. على شعب مصر النظر إلى الأمام وعدم الالتفات إلى الوراء قيد أنملة حتى لا تتأخر في مشروع البناء الذي هو أعظم وأدوم، فالرهان على الشعوب لم يكن خاسراً على مدار التاريخ، مهما كان حجم التضحيات التي تقدم بين يدي التقدم. إن شجب «الديمقراطية» التي يتغنى بها «الإخوان» اليوم بعد سقوطهم المدوي ليس شافعاً ولا شفيعاً لأنهم بمجرد اعتلائهم السلطة لفظوه في التو ولم ينتظروا لحظة بلورة المشروع بأكمله فاستعجلوا قطف الثمر قبل أوانه فعوقبوا بحرمانه تطبيقاً للقاعدة الشرعية التي يؤمنون بها في أدبياتهم القائلة «من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه» وظنوا بأنهم محصنون ضد ذلك فقط لأن مسماهم «الإخوان المسلمين» فالعبرة بالمضمون وليس في العنوان. بهذا التغيير «الدراماتيكي» السريع في مصر، جاء أوان بناء آليات الديمقراطية التي تناسب الشعب المصري بكل فسيفسائه الفكرية وهو ما يجب أن يكون صناعة مصرية بحتة لا تقلد فيها أمة من الأمم الأخرى لتميزها عن الآخرين، كما أن من بنى مصر في السابق «حلواني» فلا يمكن أن يكون بانيها اليوم «إخواني».