حسناً فعلت دول الخليج العربية بدعمها المادي الذي تجاوز 12 مليار دولار، وتأييدها السياسي للخطوات الجريئة التي اتخذتها القيادة المصرية الجديدة. دول الخليج رأت من مصلحتها ومصلحة الشعب المصري الشقيق دعم النظام الانتقالي المؤقت الذي وضع خريطة طريق يسلم فيها الجيش السلطة لحكومة مدنية تعددية تمهد الطريق للانتخابات البرلمانية والرئاسية. والسؤال الذي علينا طرحه: لماذا وقفت دول الخليج مع الحركة التصحيحية في مصر؟ هل هذا الدعم هو لضمان عودة مصر لقيادة تيار الوسط المعتدل في الوطن العربي، أم أن دول الخليج مرتاحة وفرِحة لإقدام الشعب المصري على اقتلاع حصن «الإخوان المسلمين» في مصر، تمهيداً للتخلص منهم في الوطن العربي ككل؟ بمعنى هل الدعم الخليجي من منطلق عربي قومي يصب في مصلحة العرب ككل، أم من منطلق خوفنا في الخليج من تزايد نفوذ «الإخوان المسلمين» في بلداننا وعدم قدرتنا على التعامل معه أو التخلص منه بفعالية واقتدار؟ لتوضيح الصورة، فإن دولة الإمارات العربية المتحدة هي الدولة الخليجية الوحيدة التي اتخذت موقفاً واضحاً وصريحاً من جماعة «الإخوان»، حيث أدانت الجماعة وأصدرت أحكاماً متفاوتة بالسجن على ما لا يقل عن ثمانين شخصاً من المؤيدين لها. أما بقية دول الخليج فلا تزال حكوماتها تتهاون وتتعاون مع «الإخوان» في عملية التوازن السياسي ضد القوميين والليبراليين، كما هو الحال في الكويت على سبيل المثال. أما في السعودية فـ«الإخوان» محاصرون، لكن يوجد دعم للحركة السلفية التي هي ليست أفضل حالاً من «الإخوان». ومهما كانت الأسباب الحقيقية لدعم دول الخليج لمصر، فإننا ندعم هذه السياسة، لكننا في الوقت نفسه، هناك محاذير يجب أخذها بعين الاعتبار؛ وأولها أن الأمور في مصر لا تزال غير مستقرة، فالحكومة الجديدة برئاسة الببلاوي لم تشكل حتى كتابة هذه السطور، لأن هنالك اعتراض من بعض القوى السياسية الدينية (الحركة السلفية) على بعض الأسماء الليبرالية، كما اعترض شباب «تمرد» على إبعاد البرادعي الذي تم إرضاءً للتيارات الدينية، كما رفضوا الإعلان الدستوري الجديد لأنه لم يعلن بشكل صريح مدنية الدولة. والسؤال: ماذا تريد دول الخليج لمصر؟ هل تريدها دولة مدنية تعددية ديموقراطية، أم تريدها دولة إسلامية محافظة؟ أما الاعتبار الثاني فهو أنه يخطئ من يتصور بأن الدعم المادي والمعنوي للحكومة الانتقالية سيغير مجرى الأحداث في مصر... فهنالك قطاع لا يستهان به من المثقفين القوميين واليساريين والناصريين والإسلاميين لديهم منظورهم الخاص حيال دول الخليج، إذ ينظرون إلينا كدول رجعية لديها الأموال التي تستطيع من خلالها التدخل في سياساتهم الداخلية، بل يعتقد بعضهم أن دول الخليج هي من يحرّض الغرب على مصر. بمعنى أن هناك قطاعاً من النخبة لا يحترم دول الخليج ويراها كـ«بقرة حلوب» يجب أن تدر الأموال عليهم لتنقذهم من الأزمة الاقتصادية الطاحنة. وفي الاعتبار الثالث، فنحن نؤمن بأهمية دعم مصر والوقوف معها، لكن مشاكل مصر لا يحلها إلا شعبها، ولا يتسع المجال لاستعراض مشاكل مصر السياسية التي تقف عقبة أمام انطلاقها للتطور والرقي. لكن كلام القيادة الجديدة عن المصالحة الوطنية تحت شعار «شعب واحد»، لحقن الدماء ورأب الصدع، لن تنجح، لأن ترجمة الكلام إلى برنامج عمل صعب جداً، وكل فريق أو حزب أو جماعة سياسية لديه برنامجه السياسي لمصر المستقبل، ولا يوجد أي اتفاق حول أجندة الإصلاح الاقتصادي والسياسي والاجتماعي. فكيف يمكن التوفيق بين حزب «النور» السلفي وحركة «تمرد» الشبابية، أو بين اليسار المصري والتيارين الليبرالي والقومي؟ صحيح أنهم جميعاً يحبون مصر، لكن كيف يمكن إنقاذ الاقتصاد المصري حيث تؤمن معظم القوى السياسية بأن السياسات الشعبية لإرضاء الشارع (والفقراء منه بالخصوص) يجب أن تستمر، رغم حقيقة أن الدعم السلعي للمواد الغذائية والوقود والغاز وغيرها، تكلف الدولة المصرية أكثر من 30 مليار دولار، أي ثلاثة أضعاف المساعدات الخليجية المعلنة؟ أمام مصر طريق طويل للإصلاح وتحقيق التنمية والرفاه الاقتصادي والديموقراطية المستقرة... وعلى دول الخليج الاستفادة من دروس مصر بعدم المزج بين الدين بالسياسة.