أشرنا في مقالة سابقة بداية هذا العام إلى أن أسواق المال الخليجية «البورصات» تخلفت عن اللحاق بركب القفزات التي حققتها أسواق المال الأوروبية والآسيوية والأميركية الشمالية والتي عادت جميعها إلى مستويات ما قبل الأزمة مع بداية العام، حيث تجاوز مؤشر "الفايننشال تايمز" 6500 نقطة، وكذلك مؤشر داو جونز الذي تجاوز 15 ألف نقطة. ولم يمض وقت طويل حتى لحقت أسواق المال في دول مجلس التعاون الخليجي بركب الأسواق العالمية لتحقق قفزات متتالية، وبالأخص بعد إدراج سوقي أبوظبي ودبي وسوق الدوحة للأوراق المالية ضمن الأسواق الناشئة بعد سنوات من المحاولات التي أجّلت أكثر من مرة. وخلال شهر رمضان وحده ارتفع سوق دبي بنسبة كبيرة بلغت 14 في المئة وسوق أبوظبي بنسبة 7 في المئة، وكذلك بقية أسواق دول المجلس، والتي وصلت إلى مستويات ما قبل الأزمة في سبتمبر من عام 2008. حدثت هذه الارتفاعات على الرغم من استمرار حالة عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، ما يعكس ثقة المستثمرين، بما فيهم الأجانب بأسواق دول المجلس، والتي تشهد استقراراً في أوضاعها الاقتصادية والأمنية، ما يؤهلها لاستقطاب المزيد من رؤوس الأموال المحلية والأجنبية. وبانضمام أسواق أبوظبي ودبي والدوحة لمؤشر الأسواق الناشئة، فإن ذلك يخلق ظروفاً استثمارية مستجدة تتيح إمكانيات كبيرة لتطوير قدراتها وقدرة الشركات المدرجة فيها لتحقيق مستويات أداء عالية في الفترة القادمة، في حين يشكل ذلك دافعاً لبقية دول المجلس لتعديل أوضاعها لتستجيب لمتطلبات الانضمام للأسواق الناشئة للوصول إلى انسجام أكثر بين أسواق دول المجلس التي أصبحت تشكل سوقاً مشتركة وجاذبة للاستثمار. أما سوقي الإمارات وسوق الدوحة، فإن عملية الانضمام المتوقع استكمالها في الأشهر القليلة القادمة، تضعها أمام تحديات عديدة تتعلق باستكمال التشريعات والأنظمة المتعلقة بالإدراج والإفصاح والشفافية والتي ستكسبها المزيد من ثقة المتعاملين، وتتيح لها التحضير للالتحاق بالأسواق المتقدمة. وضمن عملية التطوير، فإن أسواق دول المجلس كافة لا تزال بحاجة للشركات صانعة السوق والتي تلعب دوراً كبيرا في استقرار الأسواق وتطورها بصورة طبيعية وتحد من المضاربات العشوائية التي تضعضع الثقة، وتشكل عامل طارد للاستثمارات، بما فيها الاستثمار المؤسسي، والذي يشكل بدوره عامل استقرار مهماً. ويبدو أن الأسواق الثلاثة إضافة إلى بقية أسواق دول مجلس التعاون تملك القدرات اللازمة لتطوير بنيتها التشريعية التي تمكنها من تحقيق المزيد من المكاسب، إذ يتوقع أن تستمر عملية صعود الأسواق في الأشهر القادمة، خصوصاً أن الشركات المدرجة، وبالأخص البنوك والشركات العقارية حققت نتائج فاقت التوقعات في الربع الثاني من العام الجاري، حيث يتوقع أن يستمر هذا التحسن في الأداء في الربعين الثالث والرابع. ومع ان مرحلة الصعود ستتخللها فترات تصحيح بين فترة واخرى، وهي ظاهرة صحية للحد من المضاربات الضارة وتعزيز مواقع الاستثمار المؤسسي الذي دخل بقوة واستقطب المزيد من الاستثمارات، إلا أن أداء معظم الشركات المدرجة والأوضاع الاقتصادية الجيدة في دول المجلس تشير إلى أن الاتجاه التصاعدي لأسواق دول المجلس سيكون هو الغالب. وبالإضافة إلى ذلك، فإن عمليات إدراج الشركات الجديدة والتي كانت شبه متوقفة في الأسواق الخليجية في السنوات الخمس الماضية ستستأنف من جديد، حيث يتوقع أن يتم إدراج شركات جديدة، وبالأخص في الإمارات والسعودية وقطر، مما سيشكل عامل إنعاش إضافي لأسواق المال في دول المجلس، وذلك بعد فترة من الركود في الإصدارات الجديدة. وعلى الرغم من إمكانية ارتفاع أسعار الفائدة على الودائع، والتي قد تؤثر في قرارات المستثمرين، فإنه لا توجد بوادر حتى الآن لرفع أسعار الفائدة على العملات الرئيسية في العالم، بما في ذلك الدولار الأميركي الذي ترتبط به معظم عملات دول المجلس، ما يعني أن الآفاق العامة لنمو أسواق المال الخليجية تبدو إيجابية لحد بعيد في الفترة القادمة.