لا يزال العديد من المؤسسات الصحفية الخليجية يعمل وفق النمط التقليدي السائد منذ عقود على رغم التغيرات الكبيرة التي طرأت مؤخراً على الصناعة الصحفية فكرةً ومضموناً، وليس فقط طريقة وأداة. فمنذ سنوات نبَّه بعض القائمين على صناعة الصحافة في الغرب أن على هذه الصناعة أن تواكب التغيرات الكبيرة التي أوجدتها تقنيات الاتصال الحديثة وغيرت أنماط استهلاك الإعلام لدى الجمهور، وأيضاً بسبب التحديات الاقتصادية التي تواجهها مهنة الصحافة. كما كتب بيتر هوروكس مدير شبكة أخبار العالم في الـ«بي. بي. سي» مقالاً يؤكد فيه أن المؤسسات الصحفية التقليدية طوال فترة عملها لعقود من الزمن أوجدت نمطاً من الممارسة سماها بـ«صحافة القلعة» نشأ وترعرع بداخلها الصحفيون، وتحيط بهم الجدران السميكة لهذه القلاع. وأصبح الشغل الروتيني للصحفي العامل في هذه القلعة هو إثبات تفوقه على الصحفي الذي يعمل في قلعة صحفية أخرى. وأضاف هوروكس أن هذه القلاع الصحفية أصبحت تتداعى في السنوات الأخيرة، ولم يعد الجمهور يستمتع كثيراً بمبارزات الصحفيين من مختلف القلاع! إن استمرار المؤسسات الصحفية في عملها وفق النمط التقليدي الذي كان سارياً منذ عقود، يؤثر بلاشك في مدى فاعلية رسالتها وقدرتها على التأثير على الرأي العام وتوجيه الجمهور بنفس القدر من الفاعلية الذي كانت تمتلكه قبل عصر الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي. والسبب في ذلك كما يراه هوركس هو تداعي منظومة «صحافة القلعة» مما يتطلب إحداث تغيير عميق في عقلية وثقافة العمل الصحفي. والحال أن الصحافة في الغرب تأثرت مبكراً بالتغيرات الطارئة على الصناعة وخاصة أنها مؤسسات تجارية قائمة على الربحية. وبحساب تكاليف الإنتاج التي ارتفعت مع انخفاض المردودات بسبب الأزمات الاقتصادية ومنافسة الإعلام الجديد الإلكتروني، فإن «صحافة القلعة» لديهم بدت أكثر هشاشة ما دعاهم للانتقال إلى صحافة جديدة قادرة على مواجهة تحديات الصناعة. وإذا كانت صحافتنا الخليجية في منأى حتى الآن عن تأثير الأزمات الاقتصادية مقارنة بالصحافة الغربية، فإن التأثير الأكبر والذي أثر على الصحافة في العالم هو تغير نمط استهلاك الجمهور للإعلام. ففي «صحافة القلعة» تـُستهلك الأخبار من خلال وسائل واضحة ومعروفة سواء كانت مقروءة أو مسموعة أو مرئية. أما في عالم الإنترنت، فقد تداخلت كل هذه الوسائل وأصبح بالإمكان اختصارها في جهاز واحد بحجم راحة اليد. وفي حين أن معظم المؤسسات الصحفية لا تزال تعتقد أن ما تقدمه من خدمات إعلامية تلبي كافة متطلبات الجمهور، فإن هذا الافتراض لم يعد صحيحاً في عصرٍ أصبح بإمكان المستخدم فيه إجراء خطوات بسيطة ليبحر في عالم لا منتاهٍ من المعرفة. وحسب هوروكس، فإن قدرة المستخدم على أن يصل إلى المعلومة التي يريدها هي التي تهدم جدران «صحافة القلعة»! والحل الذي يقترحه هوروكس هو الانتقال من «صحافة القلعة» إلى ما يصفه هو وآخرون بـ«صحافة الشبكة». ويكون ذلك بأن تُقدم المؤسسة الصحفية الخبر للقارئ مربوطاً بمختلف المصادر التي تناولت الموضوع نفسه من المؤسسات الأخرى ليكون قصة متكاملة للمستخدم الذي يبحث عن هذا النوع من التعاون في المحتوى. وهذا النوع من الصحافة «صحافة الشبكة» قادر على خلق التنافسية الصحفية، لأنه يتطلب من المؤسسة الصحفية أن تقدم الشيء الذي تكون هي أكثر من يتقنه ثم تربط بقية القصة بما أنتجه الآخرون. إن نظام «صحافة الشبكة» يستدعي أن تكون المؤسسات الصحفية أكثر قدرة على الاتصال داخلياً وخارجياً، وهو ما يشكل تحدياً غير مألوف للصحفيين ومسؤوليهم الذين ترعرعوا في عقلية «صحافة القلعة». ويتطلب الأمر من الصحفيين الانتقال من ثقافة فهم ما تريده المؤسسة الصحفية إلى ثقافة تقوم على فهم الجمهور.