هل وصلت تداعيات الأزمة المالية العالمية متأخرة لبلدان مجموعة «بريكس» ومعهم تركيا لتبدأ عملاتهم في التراجع الكبير، والذي يشبه الانهيار؟ أم أن هناك أسباباً أخرى لا علاقة لها بالأزمة؟ أسئلة مهمة تخص مختلف بلدان العالم، وبالأخص بلدان منطقة الخليج العربي، وذلك بعد أن احتلت الهند والصين رأس قائمة التجارة الخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي وتحولت إلى أكبر مستورد لصادرات النفط والبتروكيماويات والألمنيوم الخليجية. ذلك يعني أن أية تغيرات كبيرة لاقتصاديات هذه البلدان ستترك آثاراً على اقتصاديات بلدان المنطقة وعلى الاقتصاد العالمي ككل، وهو ما يستوجب الاستعداد له، أو تجنب تداعياته إذا تدهورت الأوضاع الاقتصادية هناك. من حيث المبدأ لا يرتبط التدهور الحالي في عملات المجموعة بالأزمة المالية العالمية بصورة مباشرة، وإنما بخروج بلدان منطقة "اليورو" ومعها الاقتصاد العالمي من عنق زجاجة الأزمة، وأوجد ظروفاً مستجدة وغير كثيراً في أمزجة وتوجهات المستثمرين الذين حزموا حقائبهم في بداية الأزمة نحو الاقتصاديات سريعة النمو، مما رفع الطلب بصورة كبيرة على عملاتها الوطنية، والتي ارتفعت تجاه العملات الرئيسية في العالم. مؤخراً وبعد بروز العديد من المؤشرات للنمو الإيجابي لمنطقة "اليورو" والولايات المتحدة وبريطانيا، والذي ترافق مع مخاوف بشأن تباطؤ اقتصاديات بلدان "بريكس" بالإضافة إلى تركيا آثار مخاوف المستثمرين من إمكانية انخفاض قيمة الأصول في هذه البلدان والمقيمة بالعملات المحلية والتي كانت تعاني في الأصل بسبب ارتفاع معدلات التضخم، والذي وصل إلى 9.3 في المئة في الهند العام الماضي، مما شكل ضغوطاً كبيرة على الروبية، والتي انخفضت بنسبة كبيرة بلغت 20 في المئة منذ يناير 2012 تجاه الدولار، حين انخفضت الليرة التركية إلى مستوى قياسي لتقترب من ليرتين للدولار، وذلك إلى جانب الانخفاض الكبير في العملة الروسية، في الوقت الذي حافظت فيه العملة الصينية المنخفضة أصلاً على تماسكها.وتملك البلدان المنطقة، وبالأخص دول الخليج العربية استثمارات ضخمة في تلك البلدان، حيث لا زالت هذه الأصول تدر عوائد جيدة، وذلك رغم انخفاض قيمتها عند معادلتها بالعملات الأجنبية أو الخليجية، إلا أن ما يكتسي أهمية أكبر هنا هو انخفاض معدلات النمو في الهند والصين عن المستويات المرتفعة التي بلغتها في السنوات الأخيرة، وذلك على الرغم من أن هذه المعدلات لا زالت مرتفعة نسبياً. وإذا استمرت حالة التباطؤ، فان ذلك سينعكس على صادرات دول المجلس لهذه البلدان، وبالأخص الصادرات النفطية ومنتجات البتروكيماويات، والتي تشكل عمود الصادرات الخليجية والتي تواجه إجراءات حمائية في الأسواق الأوروبية، مما يعني أنه من صالح دول مجلس التعاون الخليجي مساعدة بلدان "بريكس" على تجاوز أزمة العملات. ومع أن هناك جوانب إيجابية لعملية الانخفاض تتمثل في إمكانية زيادة الصادرات، إلا أن المبالغة في الانخفاض ستكون له جوانب سلبية كثيرة، مما يتطلب من بلدان "بريكس" إعادة النظر في سياساتها النقدية للحد من التضخم ودعم عملاتهما الوطنية. صحيح أنه لا تتوفر لديها نفس الأدوات النقدية المتوفرة لدى كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، إلا أن أوضاعها المالية لا زالت من القوة بحيث يمكن توجيه السياسة النقدية بما يتناسب ومصالحهم ومصالح شركائهم الأساسيين. وإضافة إلى ذلك، فإن البيروقراطية والفساد والقيود المعقدة، بما فيها قيود المصارف المركزية لا زالت تشكل عوائق أساسية أمام الاستثمارات الأجنبية وتشكل عامل طرد إضافي يساعد على إعادة النظر في توجهات المستثمرين الأجانب، إذن المطلوب من بلدان المنطقة التقليل من التداعيات المحتملة لانهيار عملات بلدان "بريكس"، والتي قد يكون مؤقتاً، حيث لا زالت هذه البلدان تملك مقومات نمو قوية، إلا أن إعادة التقييم أمر مطلوب بين فترة وأخرى في العلاقات الدولية، وذلك بناء على المستجدات والتطورات المتلاحقة.