منذ دخول معاهدة لشبونة حيز التنفيذ في 9 ديسمبر 2009، دافع الاتحاد الأوروبي، بكل مؤسساته، عن توجه جديد مبني على ضرورة وجود وحدة أوروبية أكثر انسجاماً، للتغلب على الأزمات وللحفاظ على توازناته «الماكرو-اقتصادية»، خاصة من خلال الحفاظ على تأثيره السياسي على المستوى الدولي وبالأخص في دول الجوار المباشر في الشرق والجنوب. وفي الواقع، تلوح على المدى البعيد بوادر الليونة المحتملة لتأثيره السياسي في جواره الجنوبي، بسبب الضعف الهيكلي لنموه الاقتصادي مقارنة مع العشرين سنة الماضية، وعامل شيخوخة السكان والتباطؤ على مستوى المكاسب الإنتاجية. وإضافة إلى ذلك، وإلى حدود يناير 2011 كما يكتب السفير منور عالم في الدليل المغربي للاستراتيجية والعلاقات الدولية لسنة 2013، كان شعار استراتيجية الدول الأوروبية تجاه جيرانها هو الأمن والاستقرار. وهذه البراغماتية زعزعتها الاحتجاجات الاجتماعية في بعض الدول العربية، ما أدى بشكل عاجل إلى تبني سياسة جديدة للجوار بعنوان «استراتيجية جديدة لدول الجوار في حالة تغير». وتنص الاستراتيجية الجديدة على أن الأحداث التي جرت مؤخراً تبرر كون الاتحاد الأوروبي ينظر بعيون جديدة إلى العلاقات التي تربطه مع جيرانه. وهكذا، يمكننا أن نقرأ في البلاغ أن تبني مقاربة جديدة مسألة ضرورية لتعزيز الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وبلدان ومجتمعات الجوار، أي أن هذه الشراكة يجب أن تحدد على أساس المسؤولية المشتركة والتشبث المشترك بالقيم الكونية لحقوق الإنسان والديمقراطية ودولة الحق والقانون. ومن الآن فصاعداً، على السياسة الجديدة للجوار أن تعزز التوطيد المستدام للديمقراطية، ولهذا، يقترح الاتحاد الأوروبي تعزيز مبدأ التمييز من خلال عقد خاص مع كل دولة على حدة، ومنح الامتياز للشركاء الذين يعملون على ترسيخ ديمقراطية مستدامة ويضمنون حماية حقوق الإنسان. وتهدف الاتفاقية أيضاً إلى تشجيع «تنمية الاقتصاد التضامني» وإعطاء الامتياز بشكل خاص للمقاولات الصغرى والمتوسطة علماً بأن الولوج إلى السوق الموحدة single Market لا يقتصر على فتح الأسواق فقط، وإنما التأكد التام من أن البلدان المعنية يمكنها الاستفادة من فتح هذه الأسواق، وهكذا، تهدف المفوضية أيضاً إلى التفاوض بشأن إقامة مناطق للتبادل الحر. ولتحقيق هذه الأهداف، خصصت لسياسة الجوار الأوروبي ميزانية إضافية من أكثر من 1,24 مليار «يورو» في شكل تبرعات إضافة إلى 5,7 مليار المخصصة للفترة 2011-2012، بالإضافة إلى مليار «يورو» في شكل قروض من البنك الأوروبي للاستثمار. ومن مجموع سبعة مليارات «يورو»، يجب أن تذهب خمسة منها إلى بلدان جنوب البحر الأبيض المتوسط؛ غير أن الاستراتيجية التي كشفت عنها المفوضية، تتضمن أيضاً اتخاذ تدابير لمراقبة تدفقات الهجرة. ويتعلق الأمر بإضافة شرط محدد وهو أن الدول التي تحترم التزاماتها هي التي ستستفيد من مزيد من دعم الاتحاد الأوروبي. إن أساس سياسة الجوار الأوروبي الجديدة تظل باختصار، في الميمات الثلاثة Money, Market, mobility أي «المال، السوق، الحركية» التي تعتبر المحرك الثلاثي لسياسة الجوار الأوروبي الجديدة تجاه بلدان البحر الأبيض المتوسط. والحركية تسمح هنا للاتحاد الأوروبي بإبرام شراكات مع كل بلدان الجوار لفتح الطريق، في مرحلة أولى، أمام نظام مرن وأقل تكلفة لتسهيل التأشيرات (طويلة الأمد مبدئياً) للشباب والطلاب الراغبين في الذهاب إلى أوروبا من أجل الدراسة، والتبادل ذي الخاصية الأكاديمية، وأيضاً استجابة لحاجيات الباحثين والمقاولات حتى تتحرك داخل الاتحاد الأوروبي وخارجه. أما في المرحلة الثانية، فيتوقع الاتحاد الأوروبي التحرير التدريجي لتأشيرة المدى الطويل، بمجرد أن تستقر هذه البلدان وتكون نسبة النمو مناسبة لكبح آفة البطالة التي تعتبر العامل الأول الذي يدفع الشباب إلى الهجرة نحو أوروبا. ومع ذلك، هناك أسئلة جدية الآن تتعلق بمستقبل سياسة الجوار الأوروبي الجديدة (PEV) خاصة فيما يتعلق بالتعاون المالي (الوسيلة الأوروبية للجوار - IEV) مع الجوار الجنوبي، والطموح الرقمي للفترة 2014 – 2020 بالنسبة للاتحاد الأوروبي بخصوص هذه المنطقة. وإضافة إلى ذلك، فإن الأجوبة السياسية السلبية بخصوص موضوع الهجرة من إفريقيا نحو الشمال، خاصة بعد تداعيات «الربيع العربي» الذي أعقبته فصول خريفية لا متناهية، واتخاذ الخطوات الهادفة إلى تقييد التنقل الحر داخل الحدود الداخلية للاتحاد الأوروبي، والإحجام عن إعادة توطين اللاجئين القادمين من ليبيا وتونس، كلها أمثلة بليغة تعبر عن الصعوبة التي يواجهها الاتحاد الأوروبي في تحديد سياسة جريئة للتقارب مع هذه البلدان. ولكن الميول والنزعات السياسية المتطرفة والشعبوية قوية ومنتشرة في الاتحاد الأوروبي، وتدرج بالتالي المسألة المتعلقة بالهجرة من الزاوية الأمنية فقط في أجندة السياسة الأوروبية. إذ برزت سياسات التشدد في مراقبة الحدود وبطرق مكلفة جداً بذريعة محاربة الإرهاب، والسياسات الأمنية مع إشراك دول جنوب المتوسط في حماية الحدود عن بعد (سياسة تصريف الحدود)، ما يولد آلاف الموتى على مشارف أوروبا، ومعاقل الاحتجاز في بلدان العبور، كما هو الشأن بالنسبة لبلدان المغرب العربي، حيث يوجد المهاجرون غير الشرعيين بين المطرقة والسندان دون أن يتمكنوا من الذهاب بعيداً. وغالباً ما يظل المهاجرون غير الشرعيين في أوروبا محرومين لسنوات من حقوقهم (باستثناء حصولهم على العلاجات المستعجلة وتمدرس أبنائهم)، كما يعملون في الخفاء في مجالات تطبق غالباً أشكالاً جديدة لتكريس العبودية وتجارة الرقيق. ويقتضي خلق شروط قانونية لكي يغدو المهاجرون فاعلين حقيقيين، إعطاء مكانة كبيرة لمواطنة الإقامة حتى يتمكن المهاجرون في أوروبا وأبناؤهم من امتلاك فضاءات للتعبير وللمداولة الجماعية والمشاركة الجمعوية والتمثيلية المحلية والوطنية والأوروبية.