يعتبر الضعف والتدهور المرضيين اللذين يترافقا مع التقدم في السن، ويعرفا إجمالاً بـ"عته" أو خرف الشيخوخة، من أهم القضايا الصحية الحالية، والمستقبلية، التي ستواجه العديد من الدول والشعوب خلال العقود القليلة القادمة، حيث يقدر أن عدد المصابين حول العالم يزيد حالياً على 44 مليون شخص، مع التوقع بأن يصل هذا الرقم إلى 70 مليون مصاب بنهاية العقد الحالي، وإلى 135 مليوناً بحلول عام 2050. هذه الزيادة مردها إلى زيادة عدد أفراد الجنس البشري، بالترافق مع ارتفاع متوسط العمر أو مؤمل الحياة، ضمن الظاهرة المعروفة بتشيخ المجتمعات. ورغم هذا العدد الضخم من المصابين حالياً، والتكلفة الهائلة التي يتحملها الاقتصاد العالمي حالياً، وتقدر بـ604 مليارات دولار (2.2 تريليون درهم) سنوياً، مع التوقع بازدياد عدد المصابين مستقبلًا، وارتفاع التكلفة الاقتصادية بالتبعية، لدرجة تهدد بعض نظم الرعاية الصحية بالانهيار، إلا أن الطب الحديث لا يزال عاجزاً لحد كبير على التعامل مع هذه الحالة الصحية-الإنسانية، حيث لم يكتشف أي عقار جديد ذي فعالية تذكر ضد المرض، منذ أكثر من عقد كامل، وفي نفس الوقت فشلت العديد من الأدوية الواعدة خلال السنوات الماضية، أثناء مرورها بمراحل الدراسات والأبحاث. وفي ظل هذا الوضع، وتحمل اقتصاديات ونظم الرعاية الصحية في الدول الأوروبية وأميركا الشمالية لـ70 بالمئة من التكلفة العالمية لخرف الشيخوخة، انتهزت بريطانيا فترة رئاستها الحالية لمجموعة الثماني، لتنظيم أول مؤتمر دولي عن خرف أو عته الشيخوخة، بعد أن طلب رئيس الوزراء البريطاني "ديفيد كاميرون"، ووزير الصحة "جيرمي هنت"، من وزراء الصحة في الدول الثماني الأعضاء في هذه المجموعة، حضور اجتماع خاص بعته الشيخوخة يوم أمس، الحادي عشر من الشهر الحالي. وحتى وقت كتابة هذا المقال، لم تكن فعاليات هذا المؤتمر الأول من نوعه قد بدأت بعد، ولم تكن نتائجه وتوصياته قد صدرت هي الأخرى. إلا أن بداية المؤتمر ترافقت بتواتر أخبار عن بدء دراسة لتجربة أحد الأدوية المستخدمة في علاج داء السكري، أو عقار (Liraglutide)، والذي يسوق تجارياً تحت اسم "فيكتوزا"، كوسيلة تقلل من حدة وشدة الالتهاب الذي يحدث في خلايا المخ، وتحفيز نموها، ودعم الوصلات العصبية الرابطة بينها، بأمل إبطاء تدهور الحالة الذهنية والعقلية للمصابين بمرض "الزهايمر"، أحد أشكال أو أنواع الخرف أو العته، وأكثرها انتشار على الإطلاق. وستشمل هذه الدراسة التي سيجريها فريق علماء مشترك من "إمبريال كولج لندن" ومن "كنجز كولج"، 200 مريض من مدن بريطانية مختلفة، يعانون من مشاكل في الذاكرة، نتيجة إصابتهم بالمراحل المبكرة من "الزهايمر". وسيقسم هؤلاء المرضى إلى مجموعتين، الأولى ستتناول العقار الفعال لمدة اثني عشر شهراً، بينما ستتناول المجموعة الأخرى حبوب تحتوي فقط على نشا أو سكر. وبعد مرور ثلاث سنوات، ستقارن القدرات الذهنية والعقلية، وقوة الذاكرة، في المجموعتين، بمستوياتها عند بدء الدراسة، لبيان ما إذا كان العقار قد أبطأ بالفعل من تقدم المرض. وتظهر أعراض عته الشيخوخة في ضعف التركيز، واللغة، والقدرة على حل المشكلات، وغيرها من الوظائف العقلية العليا. وفي المراحل المتقدمة، يفقد المريض أيضاً إحساسه بالزمان، فيصبح عاجزاً عن معرفة أي يوم أو أسبوع أو شهر أو سنة يعيش فيه حالياً، مع فقدان الإحساس بالمكان فيصبح عاجزاً عن إدراك مكان وجوده، ويصبح أيضاً عاجزاً عن معرفة نفسه وهويته. ورغم تعدد وتنوع الأسباب التي تؤدي لعته أو خرف الشيخوخة -معظمها أسباب غير قابلة للعلاج- إلا أن مرض الزهايمر يحتل رأس قائمة هذه الأسباب، حيث يتسبب هذا المرض في قرابة ثلثي حالات الإصابة. ويختلف عته الشيخوخة عن التدهور الطبيعي في الوظائف العقلية المصاحب للتقدم في العمر، إلا أن التقدم في العمر ذاته يتصاحب بارتفاع مطرد في احتمالات الإصابة. وهنا تكمن المشكلة بالتحديد، بسبب الزيادة الواضحة في متوسط أعمار أفراد الجنس البشري، وخصوصاً في المجتمعات الصناعية الغنية. وعلى الرغم من أن زيادة متوسط أعمار الأفراد، تعتبر مقياساً لنجاح جوانب عديدة من المجتمع، مثل كفاءة الرعاية الصحية، وفاعلية الضمان الاجتماعي للمسنين، إلا أن هذا النجاح أحياناً ما يحمل في طياته العديد من التبعات الاقتصادية والاجتماعية والطبية. مثل هذه التبعات، وما ينتج عنها من تحديات، سواء من عته أو الخرف بأنواعه ومشاكلة المختلفة، أو غيره من الأمراض المرتبطة بالتقدم في العمر، لا بد من مواجهتها من خلال الاستثمار في الأبحاث الطبية، الساعية والهادفة ليس فقط لإيجاد طرق علاج حديثة وبديلة، بل أيضاً لتطوير فهمنا وإدراكنا لسبل الوقاية، وكيفية تجنب عوامل الخطر. فحتى الآن، ورغم طرح العديد من المقترحات، المتعلقة بتغيرات في نمط الحياة، أو حتى باستخدام أدوية وعقاقير طبية، إلا أنها جميعاً لم تحقق خفضاً يذكر في احتمالات الإصابة، أو حتى في تأجيل وقت ظهور أعراض المرض.