لعله من قبيل التكرار أن نقول إن أكثر ما يشغل ذهن المملكة العربية السعودية بشأن مستقبل العراق حاليا هو استقراره. إلا أن ذلك لا يجب أن يحول بيننا وبين إدراك صحة هذه المقولة. فاحتمال قيام حالة من الفوضى تمتد آثارها عبر حدود المملكة الأطول مع العراق، يمثل تهديداً استراتيجياً خطيراً للمملكة. كذلك فإن البديل لتلك الحالة وهو نشوء حكومة عراقية قوية، يسيطر عليها الشيعة الذين يرتبطون بروابط قوية مع إيران، يعتبر احتمالا آخر يمكن أن يفسر لنا السبب الذي يجعل المملكة تراقب بتوتر تطورات الوضع السياسي والعسكري في العراق.
في الماضي كانت الحدود الطويلة بين العراق والمملكة مسرحاً شهد الكثير من حالات التهريب، وعلى الخصوص تهريب المخدرات، والكحول، والأسلحة النارية. أما الآن فإن الخوف يتمثل في إمكانية عبور المقاتلين الجهاديين المسلحين من العراق إلى المملكة للقيام بأعمال إرهابية بها، أو أن يقوم الجهاديون المطلوبون على ذمة ارتكاب جرائم في المملكة، بالفرار عبر الحدود إلى العراق.
ومثلها مثل معظم جيران العراق، ترغب السعودية في قيام حكومة عراقية قوية لا يسيطر عليها الشيعة، ولا تتدخل في الشؤون الداخلية لجيرانها. ومثلها مثل تركيا على وجه التحديد، تخشى المملكة أن يؤدي غياب حكومة عراقية مركزية قوية إلى انقسام البلد وقيام دولة كردية مستقلة في شماله، يمكن أن توفر أسباباً قوية للتدخل الخارجي. ومن السيناريوهات المقلقة الأخرى، احتمال قيام عناصر من قوات الأمن الإيرانية بالتسلل من إيران إلى داخل العراق، والعبث في المناطق الشيعية.
وفي حين أن السعودية والعراق كانا متنافسين تاريخياً، وخصوصاً بعد اغتيال العائلة المالكة العراقية عام 1958، إلا أن قيام الثورة الإيرانية ثم نشوب الحرب بين إيران والعراق التي امتدت لمدة ثماني سنوات، فرض على المملكة أن تتخذ موقفا إلى جانب صدام حسين. كان صدام حسين في ذلك الوقت هو المدافع الأول عن الأمة العربية ضد ثورة الخميني... ولكن قيامه عام 1990 بغزو الكويت جعل السعودية تتحول إلى الولايات المتحدة وتستضيف قوات دولية ضخمة على أراضيها، تمكنت في النهاية من طرد العراق خارج الكويت. ولكن اضطرار المملكة للاعتماد على الأميركيين، وسماحها بتواجد القوات الأميركية على أراضيها بعد عام 1991، أثار العديد من مشاعر الغضب في المملكة، وساعد أسامة بن لان على البروز. بيد أن القيادة السعودية كانت قادرة مع ذلك وخلال الفترة الممتدة ما بين 1991- 2003 على التعايش مع العراق، وذلك بعد أن أصبح صدام حسين معزولا، وهبط إنتاجه النفطي بشكل حاد، وتم تقليص قوته العسكرية. ومثلها مثل معظم جيران العراق، لم تكن المملكة سعيدة بقرار إدارة بوش بإطاحة صدام حسين عام 2003، على الرغم من أنها أتاحت للقوات الأميركية إمكانية استخدام قواعدها العسكرية أثناء القتال.
ولتقييم التحديات التي يمثلها العراق للسعودية، علينا أن نرجع إلى ذلك التاريخ الطويل من الاختلاف بين الزعماء السعوديين وبين الطوائف الشيعية في العراق، كي يكون ذلك بمثابة الخلفية التي يمكن على أساسها فهم وتقدير الهموم السعودية الحالية بشأن العراق. ويخشى القادة السعوديون أن تؤدي سيطرة الشيعة على العراق وتحالفهم مع الشيعة في إيران، إلى تشكيل خطر على استقرار الشيعة السعوديين في المنطقة الشرقية، وأن يشكل ذلك على المستوى الديني تحدياً للدور الراعي لمكة والمدينة، وتقويض مصداقيتهما في العالم الإسلامي.
وستشعر المملكة بقلق مماثل، إذا كان ما ستسفر عنه الأحداث في العراق هو قيام حكومة ديمقراطية علمانية موالية للغرب. فمثل هذه الحكومة ستشكل سابقة للمنطقة من جهة، كما أنها قد تؤدي إلى زيادة الضغوط التي تقوم بها الولايات المتحدة وغيرها من الديمقراطيات الغربية على السعودية، لتبني إصلاحات سياسية ذات مغزى.