الضجة المثارة حول تحويل مجلس التعاون إلى اتحاد اكتسبت زخماً مبالغاً فيه، وبالأخص بعد أن تحولت إلى إساءات وإساءات مضادة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ومحاولة من لا يريد خيراً لدول المجلس استغلال هذه القضية لتأجيج اختلافات طبيعية تحدث بين أي أعضاء تكتل في العالم. قضية التحول فيما لو تمت ستكون عملية تحول روتينية، ولن تغير كثيراً من طبيعة التعاون، هذا ما تثبته تجربة الاتحاد الأوروبي، فالدول الأعضاء هناك تملك جميعها - كما هو الحال في التكتل الخليجي - حق "الفيتو"، إذ لا يمكن تمرير أي قرارات دون الموافقة الجماعية عليها، وهو ما يضمن سيادة الدول الأعضاء كافة. وإلى جانب ذلك، فإن طبيعة التجمعين الأوروبي والخليجي، هي طبيعة اقتصادية وأمنية بصورة أساسية، وذلك على الرغم من أن التعاون في المجالات السياسية أخذ يحتل مكانة متزايدة في الاتحاد الأوروبي بعد سنوات طويلة وبموافقة البلدان كافة. في التكتل الخليجي مضى التعاون الاقتصادي قدما ولو ببطئ، حيث يتوقع أن يطبق الاتحاد الجمركي بصورة كاملة بعد عام من الآن، أي في يناير 2015، وكذلك هو الحال مع السوق الخليجي المشترك، أما موضوع العملة الموحدة، فإنه مؤجل حتى إشعار آخر. وتبقى مسألة توحيد السياسات الاقتصادية، والتي هي بحاجة إلى وقت أطول وتفهماً أكثر من كل البلدان الأعضاء، مما يعني أنه لو تم تحويل التعاون إلى اتحاد، فإن تغيراً كبيراً لن يطرأ على طبيعة التعاون والعلاقة بين الدول الأعضاء، إلا أنه سيمنح التكتل الخليجي قوة إضافية كبيرة في علاقاته الدولية وفي مفاوضاته مع الكتل والبلدان الأخرى، وسيعزز من قدرته في مواجهة التحديات الخطيرة ويغير من تعامل الآخرين مع دوله، بما في ذلك التهديدات من الدول الإقليمية المحيطة. ومع ذلك، فإن سلطنة عُمان بإمكانها، كما بإمكان أية دولة أخرى عدم الموافقة على عملية التحول الشكلية في الوقت الحاضر، إلا أن ما أثار البعض ربما تهديد وزير الدولة العُماني للشؤون الخارجية بالانسحاب من مجلس التعاون. المهم أن قمة الكويت عالجت بحكمة هذا الخلاف وخرجت بقرارين مهمين، الأول بتكوين قيادة خليجية عسكرية مشتركة، والآخر بتأسيس أكاديمية أمنية مقرها دولة الإمارات. أما في مجال التعاون الاقتصادي، فإن القمة أكدت فقط على متابعة الاتفاقيات السابقة، كما أن هناك مشاريع، كالربط المائي وشبكة الغاز يمكن أن تساهم مساهمة فعالة في ربط المصالح الخليجية، فسلطنة عُمان على سبيل المثال وقعت اتفاقية قبل شهرين مع إيران للتزود بالغاز لمدة 25 عاماً بقيمة 60 مليار دولار من خلال خط أنابيب بين البلدين، وهي حريصة على هذه الإمدادات من الغاز المهمة لعملية التنمية في السلطنة في ظل غياب الشبكة الخليجية للغاز الطبيعي. من هنا، فإن معالجة النقص وسد الثغرات في التعاون الاقتصادي الخليجي مهمة للغاية لدعم التوجه نحو عملية التحول من التعاون إلى الاتحاد، إذ كلما زاد اعتماد دول المجلس على بعضها البعض، كلما توثقت المصالح الاقتصادية وتوفرت الضمانات اللازمة لبناء الثقة وضمان الاحتياجات التنموية لدول المجلس، وهو ما سيساهم في دعم توجهاتها الاستراتيجية الرامية إلى تنويع مصادر الدخل الوطني في ظل الاستقرار الذي تنعم به دول المجلس، والذي لا بد من المحافظة عليه، على اعتبار أنه يشكل ضرورة موضوعية للتنمية.