يبدو أن التجاذب الاستراتيجي بين الاتحاد الأوروبي وروسيا بشأن أوكرانيا انتهى لصالح الكرملين، لكن النضال السياسي في البوابة الشرقية لأوروبا لم ينته بعد. لذا، على أوروبا أن تجدد دعمها للقوى الديمقراطية في أوكرانيا، ليس فقط من أجل مصلحة هذه القوى، ولكن أيضاً تعزيزاً للغاية المنشودة من الاتحاد الأوروبي. وهذا الأخير المؤلف من 28 دولة، شهد تغييرات بالغة السرعة، ففي خضم الاحتفاء بنجاحه في تأسيس تكامل سياسي، انزلق في براثن اضطراب اقتصادي. واتفق الزعماء السياسيون والخبراء الاقتصاديون في مؤتمر رفيع المستوى في موناكو الأسبوع الماضي، على أن أوروبا اجتازت المرحلة الأسوأ في الأزمة المالية، في ضوء قوة العملة الموحدة على نحو مثير للدهشة، لكنهم أقروا بأن التعافي الاقتصادي يسير بخطى بطيئة. وتنعكس حالة عدم اليقين هذه بشأن التعافي الاقتصادي بصورة جزئية على الحذر الذي أبدته العواصم الأوروبية تجاه المظاهرات الشعبية ضد الرئيس الأوكراني "فيكتور يانوكوفيتش"، وقراره بإرجاء توثيق العلاقات مع الاتحاد الأوروبي لصالح قبول تعاون موسع مع موسكو، ومساعدات مالية روسية قدرها 15 مليار دولار. وكذلك، كان البيت الأبيض في ظل قيادة أوباما- الذي لا يزال يسعى لفرض حظر على الأسلحة من بين اتفاقات أخرى مع روسيا- يتوخى الحذر، كي لا يتجاوز الكرملين بشأن أوكرانيا. ولا شيء من هذه الأمور المثيرة للقلق تزعج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يرى أن أوكرانيا هي معركة الوجود الأخيرة منذ الحرب الباردة. ومثلما فعل في عام 2004، عندما بدت الثورة "البرتقالية" على وشك الدفع بديمقراطية على النمط الغربي إلى السلطة في كييف، ناضل بوتين في أوكرانيا من أجل تأمين بقاء نظامه المناهض للثورة في موسكو. وبعد مرور أربعة عقود على ثبات خطأ نظرية "الدومينو" الأميركية في جنوب شرق آسيا- التي ترى أنه إذا كانت هناك دولة في منطقة معينة تحت نفوذ نظام شيوعي، فإن الدول المحيطة بها ستخضع للنفوذ ذاته- يبدو أن هذه النظرية لا تزال حاضرة وقائمة في الكرملين. وبالطبع، لا يبدو الغرب في وضع جيد للتنافس مع روسيا على امتيازات اقتصادية، أو سياسية مباشرة في أوكرانيا، لا سيما أن الأوكرانيين أنفسهم منقسمون بشأن التضحيات، التي يمكن أن ينضوي عليها التخلي عن الأسواق والمساعدات الروسية من أجل مقامرة التقارب مع النموذج الاقتصادي المتفوق للاتحاد الأوروبي. غير أن المتظاهرين الذين تحدوا الطقس المتجمد وترهيب الشرطة في كييف وفي أماكن أخرى، يدركون أن تضحياتهم هي نضال من أجل سلطة أخلاقية. وعلى رغم كل مشكلاتهم، تعتبر مجتمعات الاتحاد الأوروبي جاذبة للأوكرانيين، الذين سئموا الفساد وانتهاك القانون من جانب قادتهم ونظرائهم الروس، في حين أن التقارب الرسمي مع أوروبا من شأنه المساعدة في إرساء حكم القانون، وتقليص قدرة الحكومة على انتهاك وإهمال مواطنيها. ولا عجب في أن بوتين لا يرغب في رؤية ديمقراطية فاعلة على النسق الأوروبي على حدوده الغربية، لكن في المقابل، يجب على الزعماء الأميركيين والأوروبيين تحصين تلك السلطة الأخلاقية في دعمهم لنفوذ الشعب الأوكراني، والتخلي عن أي شيء يضعفه مثل قبول أو تجاهل توسط بوتين. وتمثل مساعدة أوكرانيا على الهروب من براثن طغاتها في الداخل والخارج تحدياً كبيراً، لكنه يستحق روحاً خلاقة كتلك التي أظهرها الزعماء الأوروبيون في تأسيس اتحادهم قبل نصف قرن مضى. ـ ـ ـ ـ ــ ـ ـ ـ جيم هوجلاند محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»