دعت وزارة الخارجية الأميركية قادة المنطقة إلى اتخاذ التدابير الفعالة لمنع تمويل وتجنيد عناصر في المجموعات الإرهابية، ومن بينها «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) و«جبهة النصرة»، وإيقاف تدفق المقاتلين الأجانب إلى سوريا، حيث يقوم الكثير منهم لاحقاً بتنفيذ تفجيرات انتحارية ضد مدنيين أبرياء في العراق. التحذيرات الغربية تصب في النهاية في مصلحة دول الخليج العربية. وإن جاءت متأخرة لعدة سنوات، فإن هذه الدعوة تفرز موقف شعوب المنطقة وخصوصاً التيارات والقوى المعتدلة والوسطية سواء أكانت قومية أم وطنية أم يسارية أم ليبرالية... لأن هذه القوى وكل المعتدلين من الأغلبية الصامتة في الخليج كانت تطالب وتلح على حكوماتها بأن لا تسمح بظاهرة زج الدين في السياسة أو ظاهرة الإسلام السياسي في الخليج. والسؤال: هل تستطيع دول الخليج اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لردع ومنع تدفق الجهاديين الخليجيين من الالتحاق بالعمل الجهادي في كل أرجاء المعمورة، مثل أفغانستان والشيشان وكشمير والبوسنة والهرسك ثم العراق وسوريا واليمن وغيرها..؟ الإجابة على هذا السؤال ليست سهلة؛ لأن دول الخليج لا تملك رؤية مشتركة لمكافحة الإرهاب ومنعه من الانتشار في الدول المجاورة. نحن في الخليج لانملك رؤية مشتركة لكيفية التعامل مع ظاهرة الإسلام السياسي، رغم حقيقة أن دول الخليج متفقة على مطاردة ومكافحة الإرهاب الديني في بلدانها لأنه يهدد أمن واستقرار هذه الدول. لكن الحقيقة المرة هي أن دول الخليج غير قادرة على منع شبابها الجهادي من الانخراط في العمليات الجهادية في الخارج، لأن من ينظم ويدعم الشباب الخليجي للعمل الجهادي هي تنظمات إسلامية منظمة مثل «الإخوان المسلمين» والحركة السلفية وغيرهما. فكيف تعمل هذه المنظمات والأحزاب الإسلامية بمعزل عن الدول؟ الجواب هو أن بعض هذه الدول تريد التحالف والعمل مع الأحزاب الدينية في الساحة المحلية للحد من نفوذ القوى القومية العربية أو القوى اليسارية والليبرالية. بعض دول الخليج أيضاً تدعم «الإخوان المسلمين» لاعتبارات كثيرة داخلية وخارجية. أما الدول التي لديها مواقف واضحة ضد «الإخوان المسلمين» فهي دولة الإمارات والسعودية. أما سلطنة عمان فلا تسمح لعمل الأحزاب الدينية أو غيرها. لكن السعودية التي لديها موقف واضح ضد «الإخوان» والعمل الجهادي ابتليت بتنظيمات إسلامية متطرفة ومواطنين يدعمون العمل الجهادي عبر تزويده بالمال والرجال. العمل الجهادي الخليجي لا يقتصر على التنظيمات الإسلامية السنية بل إن بعض الشباب الخليجي الشيعي انخرطوا في العمل الجهادي في سوريا مع «حزب الله» اللبناني.. مما يعني وبكل أسف أن هناك شباباً خليجياً سنيا يحارب إخوةً من بلده في سوريا مع التنظيمات الجهادية الشيعية مثل «حزب الله». وكالة «يو بي آي» نشرت خبراً تقول فيه إن التيار السلفي الجهادي في الأردن كشف عن إحصاء عدد المقاتلين العرب الذين ينضووني ف التنظمات التابعة لـ«القاعدة» والذين قتلوا في سوريا منذ بدء الأحداث، بلغ 9936 عنصراً بينهم 70 كويتياً. لا نعرف بالتحديد عدد الجهاديين السعوديين الذين قتلوا في سوريا. بعض الصحف الكويتية ذكرت أن أعدادهم بالمئات. على دول الخليج العربية أن تعي بأن مكافحة الإرهاب ليست قضية أمنية فقط، بل هي قضية ثقافية تتطلب تشجيع ثقافة الاعتدال وتغيير مناهج التعليم واستبدال أئمة المساجد برجال دين غير مسيسين... وهذه مهمة صعبة.