هل ينبغي على الولايات المتحدة القيام بأنشطة سرية وخفية أو غير قانونية إذا لم يمكن إقناع الرأي العام الأميركي بأهمية وحكمة هذه الأنشطة في حالة تسريبها أو الإفصاح عنها؟ بالنسبة للمتخصصين في مجال الاستخبارات يبدو هذا سؤالاً غريباً، والإجابة هي أن الرأي العام لا يهم، لأن التجسس وعمليات الاعتراض غير القانونية والأعمال السرية التي كثيراً ما تنفذها الولايات المتحدة والحكومات الأخرى تكون عمليات سرية خاصة وبعضها غير شرعي عندما يتم القيام بها. والسبب الرئيس وراء السرية هو عدم الرغبة في أن تعرف الجهات المستهدفة ما يجري من خلف ظهورها، ولكن في الأنظمة الديمقراطية غالباً يكون هناك سبب آخر هو عدم الرغبة في أن يدرك الأفراد ما تقوم به الحكومة نيابة عنهم للحفاظ على أمنهم، طالما ظل ذلك في نطاق قانون الدول. وقد أوضح مسؤول استخبارات سابق رفيع المستوى قاد أنشطة طوال أربعين عاماً في عمله، أن هناك شعارين كان يراقبهما هما «المحاسبة والسرية»، وليس موافقة الشعب على كل شيء كان يفعله. وعلى رغم ذلك، فإن هذا ليس ما قالته مجموعة مراجعة الاستخبارات وتكنولوجيا الاتصالات الأسبوع الماضي بعد دراستها الخاصة بجمع المعلومات الاستخباراتية عقب إفصاحات أوباما عقب تسريب متعاون وكالة الأمن الوطني السابق إدوارد سنودن لعشرات الآلاف من مستندات الوكالة السرية. وقد طالبت اللجنة المكونة من خمسة أعضاء بإعادة تأسيس ما وصفتها بـ«قاعدة الصفحات الأولى»، التي لطالما استخدمها القادة في الإدارة الأميركية، ومفهومها أن هذه الأنشطة لا ينبغي أن تجرى إذا لم يمكن دعمها شعبياً حال اكتشافها. وعلى مدار الأربعة عقود الماضية التي كنت أغطي فيها أخبار مجتمع الاستخبارات، لم أسمع أبداً عن مثل هذه القاعدة، وكذلك مثلي عدد من مسؤولي الاستخبارات البارزين الذين تحدثت معهم. ولكن ما نتذكره هو قاعدة «إمكانية الإنكار المنطقي»، التي ظهرت في أبجديات وكالة الاستخبارات المركزية في خمسينيات القرن الماضي، بعد أن اضطر الرئيس الأميركي آنذاك دوايت آيزنهاور إلى التراجع بعد أن أنكر علانية معرفته بالغرض الاستخباراتي لطائرتين من نوع «يو - 2» حلقتا فوق الأجواء الروسية بعد إسقاط إحداهما. وكانت إمكانية الإنكار المنطقي -حسب وكالة الاستخبارات المركزية- تمكن الرئيس من إنكار درايته بشأن عملية استخباراتية إذا لم تمض بشكل صحيح بقوله «إنه لا يعلم أي شيء عنها»، تاركاً للقائمين على النشاط تحمل اللوم عن فشل العملية أو الكشف عنها. وتوجد أيضاً قاعدة «ويبستر»، نسبة إلى مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأسبق القاضي ويليام ويبستر، التي تقضي بأن العمليات، وخصوصاً السرية منها، يجب أن تكون داعمة بشكل واضح للسياسات الأميركية إذا تم اكتشافها، وأن تثير رد فعل شعبياً «جيداً للإدارة». وثمة مخاوف في الوقت الراهن بين صفوف مجتمع الاستخبارات من أنه في مواجهة الضجيج السياسي المتنامي بسبب تسريبات سنودن، فإن أوباما ربما يتخلى عن وكالة الأمن الوطني بعد دعمه المبدئي لها. وقد أشار أحد مسؤولي الاستخبارات السابقين إلى أن «البيت الأبيض ربما يسعى إلى التهرب من المسؤولية»، لافتاً إلى أنه لا يوجد دعم شعبي كافٍ لمدير الاستخبارات الوطنية جيمس كلابر ومدير وكالة الأمن الوطني كيث ألكساندر، اللذين كانا في واجهة الدفاع عن برامج الاستخبارات وسط الزوبعة الأخيرة. ينشر بترتيب خاص مع خدمة ------- والتر بينكاس، كاتب أميركي ------- «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»