الزيارة الرسمية التي قام بها ستيفن هاربر رئيس الحكومة الكندية المحافظ، الشهر الماضي، إلى إسرائيل مصطحباً معه وفداً من مئة شخصية كندية من بينهم ثمانية وزراء من حكومته، في مقدمتهم وزير الخارجية ووزير التعاون الدولي ووزير الصناعة ووزير التجارة الخارجية، إلى جانب عدد كبير من رجال الأعمال الكنديين وأعضاء الغرف التجارية وفنانين وكُتّاب وخليط من مؤيديه الذين يمثلون منظمات المجتمع المدني.. حظيت بتغطية إعلامية واسعة قبل أن تبدأ الرحلة إلى تل أبيب وأدارها باقتدار مكتب رئيس الوزراء. لماذا تبدو هذه الرحلة الرسمية إلى إسرائيل محل اهتمام الدوائر السياسية والإعلامية المعارضة والموالية لرئيس الحكومة المحافظ؟ لأنها تمثل خاتمة لمواقف وقرارات اتخذها هاربر منذ صعوده إلى سدة الحكم، شكلت في مجملها موقفاً سياسياً يمثل انعطافاً شديداً في سياسة كندا الخارجية التاريخية التي قامت على التوازن في علاقاتها مع إسرائيل والعرب، وذلك منذ أن أعلن السياسي الكندي البارع وزير الخارجية آنذاك «بترسون» في الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورة انعقادها عام 56-1957 إدانة كندا للعدوان الفرنسي - البريطاني- الإسرائيلي على مصر واحتلالهم قناة السويس وبورسعيد والإسماعيلية وفتحهم الطريق أمام إسرائيل لاكتساح خطوط الهدنة المعقودة من مصر.. ولقد دخل «باترسون» التاريخ بمشروعه لتأسيس قوات حفظ السلام الدولية (قوات الطوارئ)، التي قامت في مهمتها الأولى بتأمين خطوط الهدنة العربية- الإسرائيلية. قامت سياسة التوازن الكندي على اعتراف كندا وسعيها لتنفيذ قرار الأمم المتحدة بإنشاء الدولتين - الدولة الإسرائيلية والدولة الفلسطينية. وعلى الرغم من أن العرب الفلسطينيين لم يعترفوا بقرار الأمم المتحدة (قرارات تقسيم فلسطين عام 1947)، فإن الموقف الكندي المتوازن الذي دعمته الخطوط العملية للحكومات الكندية بعد باترسون والأحزاب الكندية الرئيسية الثلاثة (الليبرالي- المحافظ والديمقراطي الجديد) كان يحظى باحترام الحكومات العربية، وظلت كندا على علاقات طيبة مع العرب. إن الانعطاف الشديد نحو إسرائيل الذي تمثل زيارة رئيس الحكومة الكندي لإسرائيل خاتمة سعيدة لسياسة «المحافظين» وعلاقاتهم مع إسرائيل لم تبدأ أمس.. لقد أعلن هاربر عن موقفه وعلاقاته مع إسرائيل منذ ثماني سنوات، إذ اتخذ موقفاً منحازاً لإسرائيل وأعلن إبان الحرب القصيرة بين حماس وإسرائيل في لبنان (أن كندا تعتبره «العدوان» على إسرائيل عدواناً عليها)، واتخذ أيضاً موقفاً غريباً عندما استنجد الكنديون - اللبنانيون الذين كانوا عالقين في لبنان، حيث لم يستجب لنداءاتهم وأسرهم وأدلى بتصريح تساءل فيه بلوم شديد لِمَ يذهب هؤلاء المواطنون إلى لبنان؟ لكنه أمام ضغط الرأي العام وأعضاء من نواب وشيوخ حزبه اضطر للتراجع عنه واستأجرت الحكومة الكندية سفينة خاصة لنقل «مواطنيها» من لبنان إلى كندا. وتصاعد انعطاف هاربر نحو إسرائيل ومعه السياسة الخارجية الكندية، وبمناسبة رحلته الميمونة للدولة الصهيونية أعادت صحف كندية محترمة نشر تصريحات وخطب له أوضحت انحيازه الشديد لإسرائيل وإشادته المتكررة برئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو . وكشفت الصحف كيف أنه قد استخدم نفوذه في قمة الثمانية التي انعقدت في كندا في عام 2011 حتى لا تصدر عن القمة أي إشارة في بيانها الختامي إلى حدود ما قبل عام 1967 بوصفها نقطة بداية للمفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. لكن هذه الزيارة التي صحبها ضجيج إعلامي واسع من مؤيدي هاربر والسفير الإسرائيلي في كندا قد فتحت الباب لسؤال خطير.. لماذا يتجه هاربر نحر هذه السياسات؟ ويقود بلاده لهذا المنحدر الخطير الذي يعارضه حتى بعض جماعات اليمين المحافظ الكندي، وعلى رأسهم جو كلارك رئيس الوزراء السابق ورئيس الحزب المحافظ التقدمي السابق أيضاً، وممثل كندا الدبلوماسي السابق لدى السلطة الفلسطينية اللذان يران أن هذا الموقف قد أفقد كندا ثقة العرب والمجتمع الدولي وسيطاً محايداً يمكن أن يلعب دوراً في مساعي السلام الدولية. البعض يرى أن هذه سياسة لجذب أصوات الناخبين اليهود للتصويت لحزبه وتوفير التمويل السخي من أثرياء اليهود الكنديين.