«كانت سيدة فلسطينية متزوجة وأم لطفلة لم تتجاوز العام ونصف العام، على موعد مع الانتقام، فبعدما دخلت مستشفى خان يونس جنوب قطاع غزة، وسجلت حالتها على أنها محاولة انتحار بعد تعرضها للتسمم. قال مركز «الميزان» لحقوق الإنسان إنه بعد استقرار حالة السيدة، وصل أحد أقاربها إلى قسم العناية المركزة في المستشفى وتبين من سلامتها، ثم قام بإشهار سلاح شخصي «مسدس»، وأطلق النار على المريضة عن قرب. وعبر المركز عن استنكاره الشديد لانتهاك حرمة المستشفى وقتل السيدة، مندداً في السياق ذاته باستمرار ظاهرة قتل النساء التي عادة ما يلجأ مرتكبوها إلى الادعاء بأنها على خلفية شرف العائلة». هذا الخبر الذي نشرته صحيفة «الجريدة» الكويتية قبل نحو عامين، يتكرر ويتجدد حدوثه في الوسط الفلسطيني مراراً وتكراراً، فقد يكون المجتمع الفلسطيني أعلى المجتمعات العربية تعليماً وثقافة، ولكنه من جانب آخر أحد أشد هذه المجتمعات معايشة لجرائم الشرف، وتصفية الأخوات والبنات والزوجات وحتى القريبات، لدى تردد أول تهمة أو إشاعة.. ودون انتظار أي تحقيق أو تدقيق. من المستبعد تماماً أن تفكر السلطة الدينية «الإخوانية» في غزة بالتصدي لمثل هذه الجرائم، رغم أن بعض الضحايا تثبت الفحوص الشرعية والجنائية عذريتهن، ورغم أن هذه الطريقة البشعة في التصفية الجسدية بلا تحقيق أو محاكمة لا يقرها الشرع والقانون، ولكن من المعروف أن الجماعات الإسلامية، داخل السلطة وخارجها، لا تكترث بمثل هذه القضايا، كما لا أعتقد أن الفلسطينيين في المدن الأخرى والمخيمات، وربما في الخارج كذلك أقل اندفاعاً في مثل هذه التصفيات التي تسمى عادة بجرائم الشرف، كما أن بعض قرارات وقوانين حركة «حماس» المهيمنة على غزة منذ سنوات ستعمق العزلة بين الجنسين. وفي أبريل 2013 مثلاً، أعلنت وزارة التربية والتعليم العالي في الحكومة المقالة بغزة، البدء في العمل بقانون تعليم جديد «يمنع الاختلاط بين التلاميذ من الجنسين بعد سن التاسعة في مدارس قطاع غزة». ولم يحظر القانون «اختلاط الطلبة من الجنسين فحسب»، بل وأكد «العمل على تأنيث مدارس البنات». ولم تكتف «حماس» بالمدارس الحكومية أو التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين التي ينتسب إليها معظم طلاب القطاع، ذلك أن مؤسسات حقوقية وناشطين مجتمعيين تخوفوا من أن القانون الجديد يستهدف المدارس الخاصة التي لا يتجاوز عددها أصابع اليدين، ويعود معظمها إلى مؤسسات مسيحية. وتقول عائلة ترسل أولادها إلى مدرسة «العائلة المقدسة» الخاصة، أنها منزعجة من القانون ولا تفهم دواعيه، وتشير إلى أن معظم الطلاب المسجلين في المدارس الخاصة هم أبناء عائلات من الطبقة الوسطى، معظمهم من المسيحيين الذين اختاروا إرسال أبنائهم وبناتهم إلى مدارس مختلطة، خشية تعرض بناتهم لمضايقات الأساتذة في المدارس العامة ومحاولاتهم فرض الحجاب عليهن. (المقال نفسه). ومثل هذا السلوك الإجباري التعسفي تجاه الآخرين من أتباع مختلف الأديان، من التصرفات المتكررة والمؤسفة من قبل الإسلاميين والمتشددين في كل مكان وزمان، وفي دول إسلامية عديدة. رغم أن التيار الديني نفسه يملأ الدنيا صراخاً إنْ حاولت «الأغلبية المسيحية الساحقة»، كما يصف الإسلاميون أنفسهم في البلدان الإسلامية عادة، فرض شيء على المسلمين، أو منعهم من أي شيء، في أوروبا أو أميركا أو كندا مثلاً. وكانت وزارات حكومية في غزة قد أطلقت حملات لنشر «الفضيلة»، و«أخلاقي سر نجاحي» بالتعاون مع الكتلة الطلابية الإسلامية التابعة لحركة «حماس»، فيما أصدرت جامعة الأقصى قراراً بفرض الزي الشرعي على طالباتها. ومنعت حكومة «حماس» وكالة «أونروا» من تنظيم الماراثون الدولي السنوي الثالث في القطاع بسبب رفض الحكومة مشاركة نساء فيه. السيدة سهام البرغوثي، وزيرة الثقافة الفلسطينية السابقة، ترجع انتشار الحجاب إلى الانتفاضة الأولى عام 1978، خاصة مع «تأسيس حركة حماس ودخولها على خط الانتفاضة»، لافتة إلى أن انتشار الظاهرة في غزة كان أكثر منه في الضفة الغربية. وتشير البرغوثي إلى أن من بين أسباب انتشار الحجاب في بيئة اليسار، قراراته بالعمل على توسيع قاعدته الجماهيرية والشعبية، خاصة في الريف، «وبالتالي تغاضيه عن أساسيات في صلب الفكر اليساري التقدمي لمصلحة تحقيق هذه الغاية. اليسار سلم وسكت في مواجهة المجتمع المحافظ لتعزيز حضوره وتوسيع رقعة انتشاره جماهيرياً». السيدة خالدة جرار، ترى أن «منع الحجاب بقرار حزبي غير جائز ويتعارض مع الحرية الشخصية». أما بسام الصالحي، الأمين العام لحزب الشعب الفلسطيني، فيرى أن هذا الموضوع لا يستحق الاهتمام، «على رغم أن قناعتنا بأن رضوخ المرأة لعادات لا تقتنع بها يُضعف قدرتها على التأثير، خاصة أن على اليسار أن يلعب دوراً في تغيير المجتمع، لا أن يقع أسيراً لعاداته، ولكن من دون إغفال التعامل بواقعية وبوعي مع القيم العامة». ويضيف الصالحي في نقد ذاتي قائلاً: «اليسار أهمل الدفاع عن قضايا المرأة، ولم يكن جريئاً كفاية في تناول مواضيع من قبيل مساواة المرأة بالرجل، وحقوق النساء وعدم ترهيبهن». وطالب بإعطاء المرأة اليوم حرية الاختيار، «فمن ترد الحجاب فلتتحجب ومن ترد نزعه فلتتوافر لديها الجرأة لممارسة ذلك بصرف النظر عن عادات المجتمع، لأن قيمة المرأة ترتفع ليس بلباسها بل بما تملكه من قيم وما لديها من انتماء». وربما قدمت قضايا تعليم وعمل وحجاب المرأة، ساتراً سياسياً لكل من تنظيم «حماس» و«اليسار» الفلسطيني على السواء، في ظل سقوط حكم «الإخوان» في مصر وانقطاع علاقة الطرفين بالنظام السوري بعد الثورة والأحداث الدموية في مختلف المدن السورية. وتقول التقارير إن حركة «حماس» تعيش أزمة لم يسبق لها مثيل بعد فقدان الحليف السوري والإيراني وانتهاء حكم «الإخوان» في مصر بعزل محمد مرسي، حيث بدأت السلطات المصرية إجراءات حازمة ضد «حماس»، شملت إغلاق معبر رفح وهدم وتدمير الأنفاق بين غزة وسيناء. ولا تملك حركة «الإخوان» الفلسطينية «حماس» إزاء هذه الإجراءات والأزمة الاقتصادية الخانقة، «سوى الارتباك والتخبط واللجوء إلى الخيار الأمني في التعامل مع سكان غزة، ولن تجرؤ على استئناف المقاومة من غزة لأن العرب مشغولون بأمورهم الداخلية، ومعهم المجتمع الدولي، وستخسر حماس فوق خسارتها لو فكرت بإشعال جبهة غزة». ويقول الكاتب الفلسطيني ماجد كيالي، إن فصائل اليسار الفلسطيني التي كانت تحمست للتغيير في مصر، وجدت نفسها حائرة إزاء الثورة الليبية، وبدت في غاية البلبلة إزاء الثورة في سوريا، على رغم إدراكها لطبيعة النظام الذي هيمن على البلاد والعباد لأربعة عقود، وعلى رغم أن هذا النظام يستخدم الطائرات والدبابات والصواريخ ضد شعبه، أكثر بكثير مما استخدمها ضد إسرائيل. وتبدو حركة حماس وحدها بين كل الكيانات الفلسطينية التي أبدت حماسة للربيع العربي، لكن مشكلتها أنها رأت ذلك، على الأغلب، من زاوية مصلحتها في صعود التيارات الإسلامية في العالم العربي، ولم تقرن ذلك بتغييرات ملموسة بشأن إدارة علاقاتها مع الكيانات السياسية الأخرى، أو كيفية إدارتها للسلطة في قطاع غزة. لقد حمَّلت «حماس» قطاع غزة أكثر بكثير مما يحتمل، وأدارته بطريقة غير عقلانية وغير واقعية، يقول الكيالي، فقد أضرت نفسها، كما أضرت أهل غزة معها الذين عانوا الحصار الإسرائيلي، وويلات حربين مدمرتين في غضون الأعوام الستة الماضية.