ستظل الرغبة في تحسين الأوضاع والسعي للأفضل هاجسين دائمين لكل إنسان، ولذلك نرى الملايين من البشر يهاجرون أو ينتقلون للعمل في دول مختلفة وقارات متعددة بحثاً عن تأمين مستقبلهم ومستقبل أسرهم. وبالنسبة للدول التي تستقبل تلك الموجات الباحثة عن عمل أو هجرة دائمة، يعتبر هذا عبئاً على المجتمعات. وفي كل الأحوال تشعر نسبة غير قليلة من سكان أي بلد في العالم مهما كان متحضراً وراقياً بالقلق والضيق حيال أولئك المهاجرين والقادمين الجدد، والخليج العربي ليس مختلفاً في ذلك عن باقي شعوب العالم. ومن ناحية أخرى، لا توجد دولة خليجية لم تتجاوز نسبة تحديد سقف عدد العمالة الوافدة لديها والمقررة من قبل وزراء العمل الخليجيين، حيث نص القرار على ألا تتجاوز نسبة العمالة الوافدة 20 في المائة من إجمالي عدد السكان. ففي الإمارات وقطر على سبيل المثال، يشكل الوافدون والأجانب نسبة تفوق 80% من السكان، وفي الكويت أكثر من 60%، وفي عُمان نسبة تفوق 40%، كما تحتل الإمارات المرتبة الخامسة عالمياً ضمن أكبر الدول في استقبال الوافدين والأجانب وفق إحصاءات الأمم المتحدة. ووفق الدراسة التي أعدها مركز الدراسات في أكاديمية الجزيرة العالمية، تشير الأرقام إلى أن العمالة الوافدة في المملكة العربية السعودية تستحوذ على نسبة 42 بالمئة من وظائف القطاعين العام والخاص. وقدرت عدد العمالة غير السعودية بنحو 9.2 مليون أي نسبه تفوق 30% من عدد السكان، كما تشير إلى أن العمالة الوافدة في البحرين والسعودية هي بين الأغنى عالمياً، وفي الإمارات تحتل العمالة الوافدة المرتبة الرابعة عالمياً في الرفاهية حسب دراسة أجرتها مؤسسة "جي. أف. كي"، وأعداد العمالة الوافدة التي اختارت الخليج العربي كوجهة عمل أو وجهة استثمار أوعيش لأسرهم على المدى الطويل في تزايد مستمر. وبالتالي أصبح من الضروري على المواطن الخليجي التكيف مع تلك التغيرات في التركيبة السكانية، مستفيداً من درس الزلزال الاقتصادي الذي هزًّ اليابان وإعادة ثقافة الموظف في اليابان والوظيفة مدى الحياة، وذلك التغيير قادم للخليج العربي لا محالة إن أردنا المنافسة مع بقية العالم، فلا يمكن للموظف الخليجي أن تكون أهم مميزاته أنه مواطن. وإذا أردنا أن نكون جزءاً من المجتمع الدولي المتقدم علمياً وصناعياً وإنتاجياً واقتصادياً، يجب أن نقبل بتلك الفوارق في الدخل ومستوى المعيشة بين أفراد المجتمع، بغض النظر عن الجنسية وفق التعليم والخبرة والإنتاجية والجهد النوعي المبذول وحصول الجميع على فرص متساوية للحصول على وظيفة. فالوقت ليس ببعيد عندما يصبح مصطلح التوطين نغمة غير حضارية، وسيحل محله التمكين والتأهيل النوعي كمنظومة متكاملة للمنافسة مع الغير في سوق العمل، وستقوم الشركات بدفع رواتب للعاملين بها، مساوية لما يدفع لنظرائهم في الدول المتقدمة اقتصادياً، وهو سبيل التوطين الأفضل وليس العمالة الرخيصة، مع إيماننا أن العرض والطلب في سوق العمل لا يخضع لتحكم الحكومات. فعملية التعددية الثقافية بعيداً عن ما يسوِّق له الكثير في الغرب هي منظومة إجراءات وممارسات تعزز التنوع الثقافي وتكرس ثقافة ووعي قبول الاختلاف والتعايش مع مختلف الثقافات ومن يمثلها دون أن تعولم الثقافة في قالب ثقافي واحد. ومع الوقت تصبح العملية راسخة في الأذهان وتتقبلها القلوب، وتأخذ بطرحها العقول، وبدورها تساهم تلك العملية في تطوير الثقافة محلياً وعالمياً على أرضية الاحترام المتبادل. فهي مسألة التكافؤ بين الجميع، بحيث يقبل كل طرف الآخر ويقر باختلافه ولا ينبذه لكونه مختلفاً وله معتقداته وأيديولوجياته الخاصة التي لا تقصي ولا تعنف ولا تسلب حقوق وحرية الآخر، ولا تعبث بأمن وسلامة المجتمع وفق القوانين والنظم والتشريعات المتبعة في بلد ما، مع العمل الجاد لتقليص التفاوت الاجتماعي وحرية أن يمثل كل شخص ثقافته وموروثه المتنوع دون أن يمس بالسوء تقاليد وعادات سكان البلد الأصلي واحترام ثقافته، وإن لم يتقبلها أو لم تعجبه ويتحفظ على ممارساتها وتسعى لتحقيق العدالة والإنصاف، ولتحقيق المساواة بين كل فرد من أفراد المجتمع، لإثراء التجربة الإنسانية لفضح الظلم في المجتمع ورفع الوعي الذاتي للأشخاص بعيداً عن الأجندات الخاصة، وإعادة توجيه الإمكانيات والطاقة الإيجابية المرغوب فيها وتقويتها للقضاء على مجموعات الهيمنة الثقافية لخلق مجتمع متعدد الثقافات يكون فيه الأفراد هم المسؤولون عن ضمان احترام الاختلاف مع السعي لتحقيق المساواة للجميع والدعم الاجتماعي والتربوي والنفسي والصحي والاقتصادي. وحتماً يجب أن تتغير أنماط تعامل الأغلبية من أفراد الشعب الخليجي مع من يعيشون معهم من إخوانهم في البشرية من الوافدين والأجانب. وبدورهم الإخوة والأخوات الوافدون والأجانب يجب أن تتغير أنماط تعاملهم مع المواطنين وانطباعاتهم عنهم كذلك. وتغيير سلوكنا تجاه الآخرين سيؤثر من دون شك على سلوكهم تجاهنا، فقد أظهرت الأبحاث أن توقعات الإنسان وتعامله السلبي أو الإيجابي يمكن أن تؤثر بشكل كبير على الشخص الذي يتعامل معه. وقد تدفعه للنجاح أو الفشل أو العمل بضمير وأخلاق عالية ومهنية بعيداً عن الفساد، أو أن تجعله ينغمس في الفساد والتجاوزات القانونية، ويصبح ذلك أسلوب حياة مقبولاً بالنسبة له وهذا يرجع إلى ردود فعل كامنة في اللا وعي بناء على توقعات كل طرف ومشاعره نحو الآخر والموقف الذي يتخذه منه حتى وإنْ لم يظهره للعيان، فعدسة الصور النمطية في المجتمعات أحد معوقات التقدم والإنتاجية النوعية فيها. حين لا يتصرف الفرد وفق الصورة النمطية التي نحتفظ بها في أذهاننا عنه، نتحيز بطريقة غريبة لنثبت لأنفسنا العكس، وأننا على صواب. وينطبق القول على الصور النمطية التي تقدمها وسائل الإعلام كذلك وتأثيرها على فشل أو تعاظم فرص تطبيق منهجية التنوع الثقافي وأخد المجتمعات بتطبيقاتها، وعليه لا غرابة أن نرى في الأسواق والمعاملات بصورة عامة كل جنسية لها تعامل وأسعار خاصة. ومن جانب آخر، يجب الحفاظ على قيمنا ومعاييرنا التي تغرس فينا هويتنا الإنسانية قبل المحلية، وتمنع موروثنا من التآكل وعدم الشعور القصري بالإغتراب، فالتعددية الثقافية تركزُ على ضرورة التقاء وجهات النظر المتباينة في الحياة والثقافات والمعتقدات والأديان والعادات العرقية، فهي سلاح ذو حدين مع أهمية تجهيز المجتمع الخليجي لهذه الخطوة بصورة علمية، وإنْ استغرق ذلك الأمر قرناً أو أكثر من الزمان، من خلال استراتيجية وطنية خليجية بل عربية موحدة للتضامن المعنوي والديني والثقافي بين أبناء المنطقة بعضهم بعضاً، وبينهم وبين المقيمين في منطقتهم، فذلك التنوع الثقافي هو سمة متكاملة للوجود الإنساني، ولكن الخطوة التي يجب أن نقوم بها الآن تتمثل في وضع تعريف شامل للثقافة الوطنية الخليجية وإضفاء الطابع المؤسسي على ذلك الطرح، وإدخاله ضمن المناهج التعليمية، حتى لا يأتي يوم وتجرم فيه أحد عناصر ثقافتنا الوطنية من قبل مؤسسات حقوق الإنسان وغيرها من المؤسسات الأممية، أو أن لا يعتبر إحدى ركائز ثقافتنا الوطنية جزء من هويتنا ولنفهم ونحترم ثقافة الآخرين، يجب بداية أن يكون هناك احترام متبادل بين الأجيال الخليجية المختلفة وعدم ازدراء ممارسات جيل بعينه لأنها تختلف عن غيرها من الأجيال، فالتغير سُنّة الحياة وتقبل التنوع المحلي بيننا ضرورة مُلِحَّة قبل أن نكون جاهزين لاحتضان العالم وهو على الأبواب، وكما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي رعاه الله: "في كل صباح في أفريقيا يستيقظ غزال يدرك أنه يجب أن يعدو بخطوات أسرع من خطوات الأسود وإلاّ كان الموت مصيره، وفي كل صباح في أفريقيا يستيقظ أسد يدرك أنه يجب أن يعدو بخطوات أسرع من أبطأ غزال وإلاّ سيموت جوعاً... لا يختلف عليك الأمر سواء أكنت غزالاً أم أسداً، عندما تبزغ الشمس عليك أن تعدو بأقصى سرعة".