في سابقة ربما تكون الأولى من نوعها، أطلقت منظمة الصحة العالمية تحذيراً صارخاً أول من أمس، مفاده أن الجنس البشري سيواجه قريباً موجة عارمة، وزيادة واضحة، في معدلات الإصابة بالأمراض السرطانية، حيث تضمن هذا التحذير، والذي ترافق مع اليوم العالمي للسرطان، توقعات بأن العدد الحالي لحالات الإصابة بالأمراض السرطانية والبالغ 14 مليون حالة سنوياً، سيزداد إلى 19 مليون بحلول عام 2025، وإلى 24 مليوناً بحلول عام 2035، وهو ما يعني زيادة عدد من سيصابون بالسرطان بمقدار الضعف تقريباً، في غضون العقدين القادمين فقط. وربما ما ميز هذا التحذير أيضاً، الإعلان بأن التطورات والاختراقات في مجال علاج الأمراض السرطانية لن تكون كفيلة وحدها بدحر هذه الموجة، في الوقت الذي يمكن لإجراءات الوقاية أن تمنع وقوع نصف حالات الإصابة تلك. فرغم أن الزيادة المتوقعة في حالات الأمراض السرطانية المتوقعة خلال العقدين القادمين، يرد جزء منها إلى أسباب لا يمكن تغييرها، مثل زيادة متوسط العمر، والمترافق بزيادة عدد أفراد الجنس البشري، إلا أن الجزء الأكبر والأعظم من حالات الإصابة بالسرطان يرد إلى نمط حياة، ولسلوكيات شخصية، من الممكن تغييرها وتعديلها. وفي تقريرها السنوي عن وضع الأمراض السرطانية حول العالم، تخص المنظمة بالذكر سبعة أسباب رئيسية للإصابة بالسرطان من الممكن تجنبها، وهي: التدخين وبعض الأمراض المعدية، وتناول الكحوليات، والسمنة وقلة الحركة، والتعرض للأشعة سواء من الشمس أو من الأجهزة الطبية، وتلوث الهواء، وبقية العوامل البيئية، وتأخر سن الحمل والولادة بين النساء، وقلة عدد الأولاد، والامتناع عن الرضاعة الطبيعية. وإذا نظرنا إلى الأسباب المدرجة على القائمة السابقة، فسنرى أن سرطان الرئة، والناتج في المقام الأول عن تدخين منتجات التبغ، يعتبر من أكثر الأمراض السرطانية خبثاً وفتكاً بضحاياه، متسبباً في وفاة 1.4 مليون شخص سنوياً. وتشير إحصائيات صادرة عن الوكالة الدولية لأبحاث السرطان، إلى أن سرطان الرئة يحتل رأس قائمة أكثر الأورام الخبيثة انتشاراً بين شعوب الدول الأوروبية، بحوالي 13 في المئة من مجموع حالات الإصابة بالسرطان، وبنسبة 20 في المئة من الوفيات، وهي الوفيات التي كان معظمها بين المدخنين. ولا تقتصر العلاقة بين التدخين والسرطان على الرئتين فقط، بل تمتد أيضاً إلى سرطان الفم، واللسان، والحنجرة، والأنف، والجيوب الأنفية، والبلعوم، والمريء، وحتى سرطان المعدة، والبنكرياس، والكليتين. أما السبب الثاني على قائمة أسباب الإصابة بالأمراض السرطانية، أو الأمراض المعدية، فمؤخراً أصبح من الممكن توظيف بعض التطعيمات الطبية، كأحد أهم إجراءات الوقاية ضد أنواع معينة من الأمراض السرطانية، وخصوصاً تلك الناتجة عن العدوى بالفيروسات. وأفضل مثال على ذلك، هو التطعيم الموجه ضد الفيروس المسبب لمرض الثآليل الجنسية، والمعروف عنه ارتباطه الوثيق بسرطان عنق الرحم لدى النساء، والتطعيم الموجه ضد الفيروس المسبب لالتهاب الكبد الفيروسي (ب)، والمعروف عنه هو أيضاً ارتباطه الوثيق بسرطان الكبد. وبخلاف هذه التطعيمات الموجهة في الأساس ضد أمراض فيروسية معدية، ظهر اتجاه حديث للاعتماد على التطعيمات في تحفيز جهاز المناعة لمهاجمة الخلايا السرطانية والقضاء عليها عند بداية ظهورها. ويحتل السبب الثالث،أو تناول الكحوليات، أهمية خاصة في الدول الغربية، وبقية الدول غير الإسلامية، في ظل تراكم الأدلة عن مسؤولية الإفراط في تناول الكحوليات عن أضرار صحية جسيمة، بعضها حاد، مثل حوادث الطرق والعنف الشخصي، والبعض الآخر طويل المدى، مثل تليف وفشل الكبد، والإصابة بالسرطان. ولدرجة أن التبعات الصحية الناتجة عن تناول الكحوليات، أصبحت من أهم العوامل المحددة لمتوسط عمر الذكور في بعض الدول. ولذا تتعالى الأصوات المطالبة بالحد من توافر الكحوليات، وبزيادة الضرائب المفروضة عليها، ووضع التحذيرات الصحية المناسبة على عبواتها، كأحد أهم أسباب الإصابة بالسرطان، مثلها في ذلك مثل منتجات التبغ. وإذا نظرنا إلى السبب التالي على قائمة أسباب الإصابة بالأمراض السرطانية، أو زيادة الوزن والسمنة، فسنجد أنه يحتل أهمية خاصة بين شعوب ودول منطقة الشرق الأوسط، والتي أصبحت تتمتع بواحدة من أعلى المستويات العالمية على صعيد الإصابة بداء السكري. والمعروف والثابت حالياً أن زيادة الوزن والسمنة، بالترافق مع تردي نوعية الغذاء، وقلة النشاط البدني وعدم ممارسة الرياضة، تخلق وضعاً صحياً سلبياً، يقدر مسؤوليته عن ما بين 30 إلى 35 في المئة من حالات الإصابة بالسرطان، وهو ما يعادل تقريباً مسؤولية التدخين. والخلاصة أن الأمراض السرطانية، في الجزء الأعظم منها، من الممكن تجنب الإصابة بها، من خلال تغيير نمط الحياة، واتباع سلوكيات صحية؛ مثل الامتناع عن التدخين، وعن شرب الكحوليات، والمحافظة على وزن مناسب، وتجنب التعرض لأشعة الشمس لفترات طويلة، مع تناول الخضراوات والفواكه بمقادير كافية، وخفض المتناول من السكريات، واللحوم الحمراء، واللحوم المصنعة، مع ضرورة ممارسة الرياضة والنشاط البدني قدر الإمكان، وبشكل يومي. د. أكمل عبد الحكيم