كل دورة للألعاب الأولمبية تعتبر مشروعاً ضخماً، أو هي كما يقول الشاعر الروسي فلاديمير كاياكوفسكي «رحلة إلى المجهول». وهي بالفعل كذلك إلى حد كبير لأنه توجد أربعة مخاطر تطارد كل دورة جديدة للألعاب الأولمبية: ظروف الطقس غير المواتية، فإما أن يكون بارداً جداً أو ليس بالبرودة الكافية. ورداءة البناء نتيجة الاندفاع لإنهاء الاستعدادات. والاحتجاجات العامة من قبل بعض الجماعات التي تسعى لتسليط الضوء على قضاياها. هذا إلى جانب خطر الإرهاب. ولكن بالنسبة لاستضافة دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2014 في مدينة سوتشي، فقد بدا الرئيس بوتين شديد اللهجة أثناء اجتماع اللجنة الرباعية. فهو يأخذ الأمر باهتمام شديد لأن نجاح دورة الألعاب الأولمبية سيكون بمثابة انتصار شخصي كبير بالنسبة لرجل محبوب، وفقاً لاستطلاع للرأي أجري في شهر يناير، بنسبة 20 في المئة فقط من قبل الشعب الروسي، مقابل 40 في المئة في 2008. كما أن ثلثي الروس يعتقدون أن حكومته معنية فقط بتعزيز قوتها بدلاً من رفاه شعبها. إن مجازفة بوتين تشكل معضلة. ولا يتمنى أحد طبعاً فشل الدورة الأولمبية. وفي حالة دورة سوتشي، على رغم ذلك، فإن الأمل في الحصول على نتائج سعيدة يواجه تحديات طموح رجل واحد تتملكه رغبة عارمة في الحصول على السلطة والمجد. وتعتبر المخاطر التي تتعرض لها هذه الألعاب حقيقية تماماً. فسوتشي، في الواقع، تعتبر من أكثر المدن دفئاً في روسيا. ولم يحدث قبل ذلك أن أقيمت أولمبياد شتوية في منطقة مشابهة. ولم يحدث قبل ذلك أن اتسعت الفجوة بين ما هو متاح وما هو مطلوب فيما يتعلق بالبنية التحتية. ومع هذه الفجوة، إلى جانب الفساد المستشري، تشكل تكلفة دورة سوتشي التي تبلغ 50 مليار دولار على الأقل -أكثر من تكلفة دورات الألعاب الأولمبية الشتوية السابقة. كما تعتبر سوتشي أول -وبالتأكيد آخر- موقع أولمبي مجاور لما يمكن تسميته بالتطرف منخفض الحدة. فمنطقة شمال القوقاز، التي تقع شرق سوتشي، تعتبر أكثر الأماكن خطراً في روسيا، كما تأتي ضمن أكثر خمس بقع خطيرة في العالم فيما يتعلق بالإرهاب. فلا يكاد يمر يوم بدون وقوع حادث إرهابي سعياً لإقامة «خلافة شمال القوقاز» التي تمتد من جمهورية قراشيفو- شركسيا (شمال شرق سوتشي) إلى داغستان. وخلال الفترة من يناير إلى سبتمبر من العام الماضي، قتل 375 شخصاً بينما أصيب 343 آخرون خلال موجة التمرد التي تجتاح المنطقة، من بينهم 100 من قوات الشرطة و200 إرهابي. وخلال الفترة من أكتوبر إلى ديسمبر، قام ثلاثة انتحاريين، نشأوا وتلقوا تدريبهم في داغستان، بقتل أكثر من 40 شخصاً. فلماذا سوتشي إذن على رغم هذه التحديات؟ نعم، إن بوتين يحب التزلج هناك، ولكن الأمر أبعد بكثير من ميول فتى مدلل. يقول المثل الروسي القديم إن من لا يأخذ المخاطر لا يشرب الأنخاب، وبوتين يحب احتساء أنخاب الانتصار. ومثل كثير من الزعماء الروس، يبدو أن بوتين لديه نزعة بطرس الأكبر، وهو القيصر الذي شيد مدينة سان بطرسبيرج. كما أراد بوتين أيضاً أن يكون الأولمبياد تتويجاً لسنوات حكمه الـ 14، حيث نهض بروسيا التي كانت جاثية على ركبتيها، مخلفاً وراءه تداعيات صدمة انهيار الاتحاد السوفييتي. كما ذكر لصحفيين أجانب مؤخراً أن سوتشي ستتيح للروس فرصة «التعافي» بعد «الأحداث الدامية» في القوقاز -في إشارة إلى حربي الشيشان، خاصة حرب الشيشان الثانية التي رفعت شعبية بوتين في خريف 1999. وفي المقابلة نفسها، أبرز بوتين أيضاً هذا الأمر بأنه يمثل «الجانب النفسي» من دورة الألعاب. وإذا ما حالف بوتين الحظ كما كان الحال في معظم فترة حكمه، فقد يتمكن من اجتياز فترة الألعاب دون وقوع أي حوادث مؤسفة، وقد يتقبل الروس الثمن -وهو بالمناسبة أكثر مما أنفقته الدولة على التعليم خلال العام الماضي وربما يعادل 80 في المئة مما أنفقته على الرعاية الصحية. وعلى رغم ذلك، فمع عدة أيام من هطول الأمطار على الجبال، أو انهيار أحد المباني أو مصعد للتزلج، أو حدوث مظاهرة وخروجها عن نطاق السيطرة، أو حدوث ما هو أسوأ من ذلك وهو قيام انتحاري بعملية إرهابية مخترقاً درعاً يتألف من 37 ألفاً من قوات الشرطة، منها 10 آلاف على الأقل من قوات وزارة الداخلية وعدد غير محدود من قوات المظليين ووكلاء جهاز الأمن الفيدرالي، فعندئذ قد يصبح الأولمبياد مثلاً للانزعاج الوطني والبحث عن الذات: هل تستحق سوتشي كل هذا العناء؟ في الواقع، بجانب اجتياز الأولمبياد دون وقوع حوادث، فإن حظ بوتين الأكبر يتمثل في أن يبدأ هو فقط، وليس الملايين من مواطنيه، في طرح هذا السؤال. وإذا أدت سوتشي إلى قيام حركة وطنية لمكافحة الفساد، وإذا ما أجبرت النظام على القيام بإصلاحات مؤسسية عميقة -قدراً أكبر من المسؤولية الحكومية وانتخابات أكثر نزاهة، ومحاكم (قضاء) فعالة وزيادة التنافسية السياسية- لا يمكن للفساد أن يتضاءل بدونها، فإن هذا الدافع سيصبح بلاشك هو الإرث الأكثر إيجابية وديمومة لأولمبياد سوتشي. ليون آرون مدير الدراسات الروسية بمعهد أميركان أنتربرايز ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»