أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، مرسوماً ملكياَ يقضي بتجريم السعوديين الذين يقاتلون خارج البلاد أو ينتمون لجماعات دينية أو فكرية مصنفة كمنظمات إرهابية داخلياً أو إقليمياً أو دولياً، أو تتبنى أفكارها ومناهجها ودعمها مالياً أو معنوياً، ومعاقبة من يرتكب مثل هذه الجرائم، بالسجن لمدة تتراوح بين ثلاثة و20 سنة.. وقد جاءت خطوة خادم الحرمين الشريفين في الطريق الصحيح لأنها ستضع حداً للمتاجرة بالدين وزج شبابنا الخليجي في حروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل. والسؤال: لماذا جاءت خطوة الملك عبدالله الآن؟ وما الهدف منها؟ جاءت هذه الخطوة الجريئة لاعتبارات كثيرة؛ منها تردي الأوضاع الأمنية في المنطقة بشكل سريع ومخيف خصوصاً في دول الجوار العربي، مثل سوريا والعراق واليمن. فالحركات الإسلامية المتطرفة، وعلى رأسها «القاعدة» و«داعش» و«النصرة»، بدأت تمارس العنف والإرهاب بشكل جنوني، وأصبحت تهدد كيان دول المنطقة. هذه الحركات الإسلامية التي كانت تدعي بأن رسالتها سلمية وهدفها نشر القيم الإسلامية السمحاء والدعوة للدين بالحسنى والموعظة، نجدها اليوم قد كشفت عن وجهها الحقيقي، لتظهر كجماعات إرهابية تتاجر بالدين للوصول إلى السلطة. ما يقلق قادة الخليج، وعلى رأسهم الملك عبدالله، هو انخراط الشباب الخليجي في العمل الجهادي بأعداد ليست قليلة. هؤلاء الشباب عاشوا في مجتمعات خليجية مرفهة ويتمتعون بمستوى معيشي جيد، إذن لماذا يذهبون للجهاد ويقتلون أنفسهم ويقتلون العشرات بل المئات من الناس الأبرياء؟ من هي القوى السياسية التي شجعتهم على الجهاد؟ ومن المسؤول عن ضياع شبابنا الخليجي، هل هو الأسرة التي فشلت في تنشئة أبنائها وتربيتهم تربية سليمة أم هو وزارات التعليم ومناهجها التي لا تعود الطلاب على التفكير بعقولهم؟ ربما يكون المسؤولون عن انخراط الشباب في العمل الجهادي هم مشايخ الدين وخطباء المساجد الذين يشحنون أطفالنا بالمفاهيم الخاطئة حول الإسلام. ربما تكون هناك أيادٍ خفية لا تريد خيراً لبلدان الخليج، فتعمل على استهداف الأنظمة بإثارة الفتنة الطائفية، تارة باسم الدين وتارة أخرى باسم المذهب، وتارة ثالثة باسم محاربة الغزو الغربي. حسناً فعلت السعودية بتجريم الجهاد في الخارج لأنه لا مبرر لجهاد الشباب المغرر بهم، خصوصاً وأنهم لا يملكون فكراً محدداً، فهم جهلة بالدين وأفكارهم مشوشة بالمفاهيم الحزبية الضيقة. إنهم لا يملكون برنامج عمل واضح حول ما يريدون تحقيقه من وراء قتل أنفسهم وغيرهم من الناس الأبرياء. هؤلاء الشباب شوهوا صورة الإسلام وصورة أوطانهم مما جعل الآخرين يتصورون بأن بلدان الخليج هي التي تزج بأبنائها في معارك الجهاد في بلاد المعمورة. خطوة الملك عبدالله تتطلب تفاعلًا وتعاوناً خليجياً مشتركاً لمنع الشباب من الذهاب للجهاد في أي دولة، وهذا يتطلب معرفة ومتابعة منابع الأفكار الجهادية في البلدان الخليجية ومتابعة مصادر التمويل التي خلقت ثقافة التطرف الديني في مدارسنا وجامعاتنا ومساجدنا ودور العلم في بلداننا. محاربة الإرهاب تتطلب تبني الثقافة البديلة، وهي ثقافة المحبة والإخاء والتسامح وحب الآخر وتشجيع الأدب والفن والمسرح وغيره من الثقافة البديلة التي عمادها الولاء للوطن والاعتزاز بكل شرائح المجتمع ونبذ الطائفية والقبلية والتعصب الديني.