في دراسة أجريت عام 2003 على يد متخصصين من الولايات المتحدة الأميركية، تم جمع بيانات عن أكثر من 130 من أعضاء السلفية الجهادية العالمية مثل فيها القادمون من دول الخليج العربي ومصر والشام نحو 60% و30% من دول المغرب العربي و10% من إندونيسيا، حيث كان الثلثان ينتمون لطبقات غنية أو من عوائل الطبقة الوسطى المستقرة، وما نسبته 60% منهم حصلوا على شهادة جامعية أو تلقوا بعض التعليم الجامعي. وكان متوسط ??العمر للانضمام إلى تلك التنظيمات هو سن 26 سنة وما بين العرب بالتحديد في سن أصغر وهو سن 23 سنة، وذلك بعد أن سمعوا أو قرأوا فتوى تجيز انضمامهم لتلك الجماعات وقناعتهم بتلك الفتاوى، وقبل ذلك كله كانت منظومة الفرز والتجنيد والتكييف تعمل بتقنية عالية لتوجيههم نحو ذلك الطريق، والمخيف في الأمر أن 65% من تلك الحالات كانت قد تأثرت بالأقرباء والأهل وخاصة الأصدقاء القريبين منهم الذين أقنعوهم بأهمية حركة ما يطلقون عليه الجهاد العالمي أو شبكة الجهاد العالمي، ولكن ما يهمنا هنا لماذا تتحول تلك العناصر المغرر بها لقنابل موقوتة تفجر نفسها في كل بقاع الأرض، وآلة قتل لا تتوقف، وبالمقابل لم نسمع قط عن أحد من شيوخهم أو منظريهم يقتل نفسه في عملية انتحارية إرهابية. وفي ظل «ربيع الفوضى العربي الخلاق»، وما يجري في تلك الدول وحدوث شرخ وتصدع أمني حتى في دول الجوار وحساسية الوضع الأمني في العراق والصراعات القائمة في القرن الأفريقي ودول الساحل في أفريقيا، وجدت العناصر الإرهابية والمتطرفة والميليشيات الحزبية والمذهبية مقر‏? ?عملياتي? ?ميداني? ?استراتيجي? ?لها? ?تثير? ?من? ?خلاله? ?الرعب? ?وتسفك? ?الدماء،? ?وتنشر? ?الخراب? ?والدمار.? ?ومن? ?جهة? ?أخرى? ?تعتبر? ?القارة? ?الأوروبية? ?مقر? ?التنظير? ?والتنظيم? ?الدولي? ?لتلك? ?التنظيمات،? ?التي? ?تفتح? ?فيها? ?مكاتبها? ?تحت? ?مسميات? ?مختلفة? ?تضع? ?من? ?خلالها? ?الاستراتيجيات? ?الكبرى? ?بالتعاون? ?مع? ?من? ?له? ?مصلحة? ?كبرى? ?في? ?وجود? ?تلك? ?المنظمات? ?طالما? ?لا? ?تنفذ? ?عملياتها? ?في? ?مناطق? ?جغرافية? ?محددة? ?من? ?العالم?.? ففي? ?السياسة? ?الدولية، وفي? ?عصر? ?العولمة،? ?تعد? ?الفوضى? ?وعدم? ?الاستقرار? ?في? ?جزء? ?من? ?العالم? أكبر? ?ضمان? ?لبقاء? ?السلام? ?والاستقرار? ?في? ?الجزء? ?الآخر? ?منه?، ?طالما? ?أن? ?هناك? ?منتفعين بـ"القطاعي? ?والجملة?" ?على ?الجانبين. ولا شك أن الأوضاع والمعطيات في السياسة الدولية لها دور كبير في ظهور "الجهاد العالمي"، وهو مفهوم إرهابي يعتمد على العزلة الحضارية بين الشعوب باستخدام سلاح خطف الدين كرهينة قابلة للمفاوضة لإحداث التوازن المفقود بعيداً على القانون والتشريعات الدولية، بل حرمت الأديان نفسها دون وضع أي اعتبار لقيمة الأرواح. فنمو منظومة الإرهاب يعتمد على كسب أعضاء جدد، وتوجيه الغضب والمقت الشديدين تجاه جهة بعينها، وجعلها كبش الفداء، والسبب في كل ما يصيب الأمة الإسلامية دون إرجاع ذلك لأي منطق عقلاني أو قياس موضوعي، أو دليل ثابت بالبرهان لا يقبل التشكيك. الإرهاب يتغذى على خطاب الكراهية المعادي للغرب والأنظمة العربية والمسلمة والتشهير وحرب الإشاعات وادعاء أنهم مكلفون بتمثيل الإسلام، وهم الفئة المنصورة. لكن لم نسمع بانتصار تنظيم إرهابي واحد في المحصلة النهائية طوال التاريخ، وبالتالي سقوط أسطورة الفئة المنصورة، وإنْ كان الإرهابي يعتبر الإرهاب درعاً ضد اليأس والرعب من اللا معنى في الحياة والهوية المفقودة، فالعقل الإرهابي الديني يخلق ويعيش في هذا العالم المختلف الذي يتوهم فيه الفرد أنه يستعيد قوته وأهميته في المجتمع، ويجد هوية‏? ?ولادة? ?جديدة? ?تنهي? ?كل? ?ما? ?ارتكبه? ?من? ?معاصٍ? ?في? ?الماضي،? ?فيولد? ?من? ?جديد? ?بشخصية? ?جديدة? ?تجد? ?التقدير? ?والتبجيل? ?والأهمية? ?واعتماد? ?الغير? ?عليه? ?ولعب? ?أدوار? ?قيادية? ?أحياناً? ?لم? ?يستطيع? ?أن? ?يلعبها? ?في? ?حياته? ?الاعتيادية? ?في? ?مجتمعه? ?الأم?. ?ففي? ?حقيقة? ?الأمر? ?هي? ?عملية? ?خلاص? ?روحي? ?وتوبة? ?متوهمة? ?يفقد? ?فيها? ?الشخص? ?إنسانيته? ?لتركيزه? ?على? ?ديمومة? ?المصير? ?في? ?جنة? ?الخلد،? ?فالرحلة? ?الحياتية? ?نفسها? ?ليس? ?لها? ?معنى? ?وكل? ?الإجراءات? ?والممارسات،? ?لا? ?تعني? ?له? ?شيئا،? ?ولذلك? ?أعطى? ?نفسه? ?الحق? ?المطلق? ?في? ?أن? ?يقتل? ?ويخطف? ?ويخرب? ?ضمن? ?خطة? ?القدر? ?التي? ?يؤمن? ?بها? ?حتى? ?يصل? ?به? ?الاعتقاد? ?أن? ?المسلم? ?المقتول? ?في? ?تلك? ?العمليات? ?خرج? ?عن? ?الملة? ?وكافر?، ?أو? ?أن? ?المقتول? ?نفسه? ?شهيد،? ?لأن القاتل? ?نوى? ?عنه? ?بنية? ?الشهادة? ?من? ?أجل? ?رفعة? ?راية? ?الإسلام?، ?فالتضحية? ?به? ?ضرورة? ?للفت? ?نظر? ?العالم? ?لقضية? ?ما،? ?أو? ?الدفاع? ?عنها? ?وهو? ?أمر? ?في? ?غاية? ?التعقيد. ? ?وأغلب? ?العمليات? ?الانتحارية? ?في? ?العصر? ?الحديث? ?يوجه? ?فيها? ?الإرهابي? ?ويعطى? ?له? ?الأمر? ?بتفجير? ?هدف? ?ما،? ?ولكن? ?قبل? ?الوصول? ?إليه? ?يتم? ?تفجيره? ?وفق? ?خطة? ?وضعها? ?أميره? ?وقائد? ?العملية? ?عند? ?وصوله? ?للهدف? ?الأصلي?، ?الذي? ?لا? ?يعرفه? ?المنفذ? ?نفسه?، ?وذلك? ?خوفاً? ?من? ?تردد? ?المطلوب? ?منه? ?تفجير? ?مكان? ?ما? ?والتفكير? ?في? ?شرعية? ?أو? ?صحة? ?ما? ?يقوم? ?به? ?أمام? ?الله. والسؤال هنا هل هناك خطأ جوهري في أدمغة من يقومون بالعمليات الانتحارية الإرهابية وقتل الأبرياء بدم بارد، ومن ثم الذهاب للأكل وتبادل أطراف الحديث مع أقرانهم والاحتفال معهم بما فعلوا؟ شخصياً لا أعتقد أن الإرهابيين مجانين، لكن اضطرابات الشخصية هي النمط السائد بين الإرهابيين والـتأثر الشديد بديناميكيات التفاعل بين أفرد الجماعة في الشبكة الإرهابية التي ينتمون إليها، وأهمية إثبات أحقية العضوية في المنظمة الإرهابية التي هم جزء منها وصولاً إلى الولاء الأعمى بعد أن تذوب الشخصية الفردية، أو الشعور بالذات في شخصية الجماعة والشعور بالذات الجمعية للتنظيم، وهذا يفسر ارتكاب الإرهابي أحياناً عملاً إرهابياً دون قناعته الشخصية بذلك العمل أو شرعيته، بعد أن يزج بنفسه تماماً في فكر الجماعة. ويرى الخطأ صواباً من خلال إجماع التنظيم عليه حتى تزرع لديه القناعة بصواب الخطأ وبعدم صحة شكوكه والامتثالية للجماعة. ولفت الانتباه إلى فهم مهمشين من ناحية الشهرة والظهور بين أفراد عائلتهم ومجتمعهم في الغالب وانخفاض تقدير الذات والميل إلى المخاطرة، وإن كان ذلك الشخص من عائلة غنية... فهناك احتمال كبير أنه تعرض للإساءات المختلفة في مرحلة الطفولة وبأنه قد تعرض لأحداث صادمة والظلم الأسري ‏ومعايشة? ?ومشاهدة? ?المظلوميات? ?المختلفة? ?والخذلان? ?الذي? ?يعيشه? ?مجتمعه? ?بصورة? ?عامة? ?وحتى? ?في? ?حالة? ?ما? ?يدعى? ?بالذئب? ?الأوحد? ?وهو? ?الإرهابي? ?الذي? ?يعتبر? ?بمفرده? ?خليه? ?إرهابية? ?ولا? ?ينتمي? ?لمجموهة? ?إرهابية? ?محددة? ?ويتصرف? ?دون? ?توجيه? ?من? ?أحد? ?في? ?معظم? ?الأوقات? ?ويقوم? ?بعمليات? ?فردية? ?فهذا? ?الشخص? ?في? ?وقتنا? ?الحاضر? ?وقع? ?ضحية? ?للجماعات? ?الإرهابية? ?والتجنيد? ?غير? ?المباشر? ?عن? ?بعد،? ?من? ?خلال? ?شبكات? ?التواصل? ?الاجتماعي? ?ومختلف? ?المواقع? ?المضللة? ?على? ?الشبكة? ?العنكبوتية? ?ليخلق? ?لنفسه? ?عالماً خاصاً? ?به? ?يخرج? ?منه? ?ليواجه? ?الطرف? ?الذي? ?يعتبره? ?مذنباً، سواء? ?كان? ?شخصاً? ?أو? ?مؤسسة? ?أو? ?دولة? ?ليحقق? ?العدالة? ?حسب? ?منظوره? ?الشخصي?.? وهناك نظريات عديدة لتفسير ظاهرة الإرهاب ما بين داخلية وخارجية اجتماعية ودينية وسياسية وثقافية بجانب تراث وتقاليد بعض الشعوب، ولكن لم يستطع أي من تلك النظريات وضع حل لظاهرة الإرهاب. والحل الأهم لتلك المعضلة يتطلب منظومة ذكية علمية وتفاعلية تطبيقية في غاية الدقة والاحترافية، لتحقيق عدالة اجتماعية واقتصادية واقعية، وقياس وتتبع الظواهر الدينية والفلسفية والفكرية والسلوكية والأنماط الاجتماعية السائدة والمتوقعة في المجتمع ككل، ومعالجتها بمشاركة كل أفراد المجتمع المحلي والدولي، ومواجهة خطاب المظلومية، ومعرفة وتحليل جذوره للقضاء عليه، أو تحويل مساره وتغيير الانطباعات المتعلقة به، والرد المنطقي على الآراء والأطروحات التي تدور حوله، والعمل تدريجياً على حل المظلومية إنْ وُجدت، كما يتطلب الأمر شجاعة غير عادية لمراجعات مفصلية في موروث ديني وقعت أخطاء لا تغتفر في فهمه وتفسيره، ولا تزال الكثير من الجزئيات فيه غامضة، ولم يستطع العقل الإنساني استيعابها بشكل كلي، أو حتى إدراك مداها المبدئي. فهل حان الوقت لكسر قيود معصومية تفسير النصوص السماوية والتشريعات الدينية وربطها بالعلم قدر المستطاع لإيجاد حلول ناجعة لتحديات لا ينفع معها أنصاف الحلول، وتجنب تكريس أسطورة تفسير معنى الراسخين في العلم التي كانت نتائجها الحصرية من أعظم أسباب نكسة العالم الإسلامي. فهل يعتقد دارسو علوم الدين واللغة أنهم وحدهم فقط من يستطيعون تفسير النصوص الربانية بعيداً عن مساعدة الراسخين في العلم في كل العلوم؟ وما هي شروط أن يوصف الإنسان أنه راسخ في العلم من الناحية العلمية والمهنية والفكرية والنفسية، وقدرته على جعل رسخانه في العلم أمر مبسط لعامة الناس وليس أمراً حصرياً، ويتقبل احتمالية الخطأ أو عدم الصواب في حكمه؟ وفي المحصلة النهائية، فإن العديد من أولئك المتبحرين في جميع الديانات في وجهة نظري جميعهم متهمون بممارسة الفئوية الروحية والإقطاعية الدينية.