يتفق معظم المحللين في الشأن الأفريقي على أن هناك غياباً عربياً كبيراً عن القارة الأفريقية، وأن هذا الغياب كان له آثار شديدة على العلاقة التاريخية بين الدول العربية والأفريقية، سواء أكان ذلك على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، حيث جعل مثل هذا الغياب كلا الطرفين غير قادر على فهم الآخر والتفاعل مع مشكلاته وأزماته. ومما زاد الأمر حدة هو ضعف دور الجامعة العربية في تقوية هذه العلاقات وغياب دور الإعلام العربي الذي يفترض أن يقوم بجزء من هذه المسؤولية والاهتمام بالقضايا الأفريقية لتقريب الصورة الأفريقية ونقلها إلى المواطن العربي والأفريقي، مثلما يفعل الإعلامي وصانع القرار الغربي والإسرائيلي والإيراني والصيني، في علاقاتهم بأفريقيا الآخذة بالتطور والصعود لاسيما بعد التحولات الكبيرة خلال العقود الثلاثة الماضية، وما ترتب عليها من تغير في ترتيب الأولويات وتطور في دينامية العلاقات بين أفريقيا وبين تلك الدول. لقد حاولت الدبلوماسية العربية خلال الخمسينيات والستينيات تعزيز العلاقة مع أفريقيا وتطويرها، وخاصة ما بعد مرحلة الاستقلال، إلا أن العقود الثلاثة الأخيرة شهدت حالة من الفتور والتراجع. صحيح أن هناك الآن محاولات لإعادة الروح لهذه العلاقة التاريخية بعد أن شعر العرب بخطورة التكالب الغربي الإسرائيلي الإيراني على أفريقيا، لأهمية موقعها الاستراتيجي وثرواتها الطبيعية ودورها في صناعة السياسة الخارجية لاسيما عبر قوتها التصويتية في المحافل الدولية، إلا أنها لاتزال محاولات ضعيفة. كان من المفترض أن يستفيد العرب من القوة الأفريقية وأن يتم توظيف شبكة من التفاعلات الرسمية وغير الرسمية لخدمة هذا الهدف، كما يفعل الآخرون، وعلى الأخص إيران وإسرائيل اللتين أصبحت مسألة تغلغلهما في الحالة الأفريقية واضحة وتمثل تهديداً للعرب ومصالحهم الاستراتيجية في هذه القارة. إن من يتابع واقع هذه العلاقة وأبعادها من خلال الأطروحات الفكرية، سيلاحظ الأسباب الجوهرية التي جعلتها علاقة ضعيفة، وسيلمس تأكيد تلك الأطروحات الفكرية على أهمية فهم طبيعة المجتمعين الأفريقي والعربي. علينا أن نعيد مراجعة مسار العلاقة التاريخية التي تربطنا بالقارة الأفريقية وأن نقويها بكل الوسائل وفي مختلف المجالات. فأفريقيا تملك المساحة الجغرافية، وتملك الموارد الطبيعية، وتملك البترول والماس والذهب والنحاس والحديد... كما تملك التجارب التنموية العديدة، والقوة التصويتية في المحافل الدولية والتي يمكن الاستفادة منها. علينا تأمين الشراكة الفاعلة فيما بيننا وبين الأفارقة، وأن نتوجه أكثر فأكثر نحو أفريقيا في استثماراتنا، وأن نفكر في خلق ابتكارات جديدة عربية أفريقية... فهذه مصلحتنا نحن العرب والأفارقة معاً، والتي تقتضي أن يكون بيننا تحالف اقتصادي سياسي. نريد أن نلتقي من أجل التطور معاً، وهو ما يتطلب معالجة هذه المسألة على صعيد القمة، والوصول إلى بناء منظومة تكامل جديدة ننتقل من خلالها إلى مستوى أعلى من التعاون والتكامل العربي الأفريقي.