الشفافية والمساءلة أداتان فعالتان في يد الحكومات الرشيدة، الساعية إلى تحقيق أهداف التنمية الشاملة والمستدامة، فهما تمكنان هذه الحكومات من توجيه مواردها إلى الوجهات السليمة، وضبط تصرفات مؤسساتها من أجل تحقيق الاستخدام الأمثل للموارد، ومنع أي مخالفات أو استغلال غير منضبط لتلك الموارد من قبل المسؤولين الحكوميين على اختلاف مستوياتهم وأدوارهم، ليس هذا فحسب، بل إن هاتين الأداتين تمكنان الحكومات، من متابعة تصرفات المؤسسات الخاصة، ومراجعة مدى التزامها بأهداف التنمية وغاياتها، وخصوصاً فيما يتعلق بالآثار الاجتماعية والبيئية السلبية التي يمكن أن تترتب على أنشطتها الاقتصادية. وقد أثبتت التجارب العملية والتاريخية أنه لم توجد دولة في العالم استطاعت أن تحقق التنمية على أراضيها من دون أن تراعي أن تتضمن خططها التنموية آليات للتنفيذ، تمكنها من مساءلة المؤسسات والمسؤولين الحكوميين بشفافية، والتأكد من مدى التزامهم بأهداف تلك الخطط من حين إلى آخر، لضمان عدم ابتعادهم عن تلك الأهداف أو استغلال موارد الدولة، التي هي ملك للمواطنين، بشكل غير مشروع. وفي إطار سعي دولة الإمارات العربية المتحدة إلى إحداث تنمية شاملة على أراضيها وضمان استدامة هذه التنمية، وتلبية تطلعات مواطنيها ونيل رضاهم وثقتهم، عبر التفاعل الآني والكفء مع تلك التطلعات، فقد أكد سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير شؤون الرئاسة، رئيس المجلس الوزاري للخدمات، خلال مشاركته في فعاليات «القمة الحكومية» الثانية التي عُقدت في مدينة دبي خلال الأيام الأخيرة، أن الدولة الآن بصدد «إعداد معايير لمحاسبة الوزراء، ولقياس مدى تفاعلهم مع الجمهور، والنزول إليهم ومناقشة الناس بشكل مباشر». وبرغم أن هذا التصريح ليس هو الوحيد الذي أدلى به سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، الذي تحدث عن العديد من المشروعات التنموية والطموحات المستقبلية التي يقوم بها المجلس الوزاري للخدمات الذي يرأسه، لكن الأمر في الحقيقة، هو أن حديثه عن وضع معايير محاسبة الوزراء، يحمل العديد من الدلالات، وخصوصاً أنه يأتي في مرحلة ذات أهمية كبيرة في المسيرة التنموية لدولة الإمارات العربية المتحدة، التي تمكنت من خلال عملها وجهدها الحثيث، على مدار عقود طويلة، من أن تصل إلى مستوى جيد من التنمية والازدهار، وتظهر المؤشرات الصادرة عن المؤسسات الدولية أن مواطنيها الآن هم من أكثر شعوب العالم رضاً بواقعهم المعيشي، ولكن يبدو أن حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة لا تكتفي بهذا الإنجاز فقط، بل إنها عازمة على تحقيق المزيد في المستقبل. ومن خلال ما تتبناه الدولة من آليات ومبادرات جديدة، ومن بينهما معايير محاسبة الوزراء، فهي تنتقل من مرحلة «رضا المواطنين» إلى مرحلة «إسعاد المواطنين»، وهو طموح أعلن عنه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، على هامش مشاركته في فعاليات الجلسة الافتتاحية للقمة ذاتها، فمن شأن تلك المعايير أن تقيس مدى التزام، لا الوزراء فحسب، ولكن جميع المسؤولين في الدولة، بالتواصل المباشر والمستمر مع المواطنين، والتفاعل الإيجابي مع تطلعاتهم، والذي ينقل العلاقة بين الحكومة والمواطنين إلى مرحلة جديدة، تصبح فيها نموذجاً للعلاقات الأكثر إيجابية وفاعلية بين الحكومات والشعوب في العالم. ـ ـ ـ ـ ـ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.