لو شاهد كرزاي خطاب «حالة الاتحاد» الذي ألقاه أوباما الشهر الماضي، لكان لاحظ الحفاوة الشديدة من مؤيدي الحزبين في تلك الليلة عندما أعلن الرئيس الأميركي أنه «بحلول نهاية العام الجاري، ستنتهي أطول حرب أميركية». ولا شك في أن هذه الحرب تقاتل فيها القوات الأميركية من أجل دولة كرزاي منذ 12 عاماً، بتكلفة بلغت 700 مليار دولار، إضافة إلى أرواح 2, 310 جندي أميركي. وفي قمة لشبونة قبل ثلاثة أعوام، قرر حلف «الناتو»، بموافقة كرزاي، سحب قواته من أفغانستان بحلول نهاية العام الجاري، ولم يكن إعلان أوباما سوى تأكيد لذلك القرار. وقال أوباما «إذا وقعت الحكومة الأفغانية الاتفاقية الأمنية التي نتفاوض بشأنها، فمن الممكن أن تبقى قوة صغيرة من الأميركيين في أفغانستان مع حلفاء الناتو من أجل تنفيذ مهمتين محدودتين هما: تدريب ومساعدة القوات الأفغانية، والقيام بعمليات مكافحة الإرهاب وملاحقة فلول تنظيم القاعدة». وسيبلغ قوام «القوة الصغيرة» نحو عشرة آلاف من جنود حلف «الناتو»، ثلثاهم من الأميركيين، وليس الخمس كما هي الحال في الوقت الراهن. وعلى رغم ذلك، فالشرط الأساسي هو أن على الحكومة الأفغانية توقيع اتفاقية أمنية ثنائية، تم التفاوض عليها بالفعل بين الولايات المتحدة والمسؤولين الأفغان. ولو لم توقع، فإن كافة قوات حلف «الناتو» ستغادر بحلول نهاية العام الجاري، وسيتم وقف كافة المساعدات العسكرية، وعلى الأرجح، سيتعرض كل من الجيش والحكومة وربما الدولة الأفغانية بأسرها إلى الإفلاس. وخلال الخريف الماضي، حث مجلس «لويا جيرجا»، المكون من زعماء العشائر من كافة أنحاء أفغانستان، الرئيس الأفغاني على توقيع الاتفاقية، وأبدى مسؤولون بارزون في الجيش رغبتهم في توقيعها، إلى جانب كبار المرشحين في الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها في أبريل المقبل. غير أن كرزاي لم يوقع الاتفاقية، ويقول إنه لن يوقعها خلال الشهرين المتبقيين له في السلطة كرئيس. وعلاوة على ذلك، قضى كرزاي الأسابيع الماضية في فعل كل ما يستطيع لاستعداء حلفائه الأميركيين. وفي بداية فبراير، نقلت وكالات الأنباء أن كرزاي كان يعقد محادثات سلام مع «طالبان»، من دون إخبار حلفائه الغربيين، غير أن هذه المحادثات لم تسفر عن أي تقدم. وأخيراً، أطلق كرزاي الأسبوع الماضي سراح 65 معتقلاً من أحد السجون في قاعدة «باجرام» العسكرية، على رغم تحذيرات المسؤولين الأميركيين من أنهم جميعهم مدانون بما لا يدع مجالاً للشك في قتل قوات أميركية ومدنيين أفغان. وحتى عضو مجلس الشيوخ الجمهوري عن ولاية أريزونا جون ماكين، الذي يعتبر واحداً من أشد المؤيدين لكرزاي وربما أكثر أصدقائه الأميركيين صبراً، تفاجأ تماماً بهذه الخطوة الأخيرة، موضحاً لـ«بي بي سي» أن الرئيس الأفغاني تجاوز أي شيء يمكن فهمه. وعلى مدار سنوات كان كرزاي يتبنى مواقف مثيرة تبدو انفعالية وغاضبة ومعارضة للمصالح الأميركية، ولكن عند مشاهدتها من زاوية مختلفة، تبدو ضمن حدود السلوك المنطقي، وليست مناقضة على الإطلاق لما قد يعتبره مصالحه الشخصية. وعلى رغم ذلك، يجب بداية على كرزاي إدراك أننا نعتبر أن غرابته برفضه التوقيع على الاتفاقية الأمنية الثنائية، ليس لها تأثير حقيقي، وأن الانسحاب لن يحدث في غياب توقيع الاتفاقية حتى نهاية العام الجاري، وسيكون خليفته الذي يتولى المنصب قبل ذلك الموعد، وبالتأكيد سيوقعها، ولذا ليس ثمة ضرر. وفي هذه الأثناء، يجب أن يسعد كرزاي بأنه تسبب في ضيق لحُلفائه، إذ تفيد تقارير بأن أوباما وكثيرا من المسؤولين الأميركيين ضاقوا ذرعاً بكرزاي بدرجة جعلتهم يفكرون في المضي قدماً في «الخيار الصفري»، أي سحب جميع القوات الأميركية بحلول نهاية العام الجاري، من دون ترك أحد لتدريب الجيش الأفغاني أو ملاحقة تنظيم «القاعدة» على طول الحدود الباكستانية. ولكن حتى الآن، لا تزال الإدارة الأميركية ترفض هذا التفكير، مدركة أن كرزاي سيذهب في غضون أشهر قليلة، وربما يُستبدل بزعيم أكثر تعاوناً، وفي ضوء ذلك، يمكن لكرزاي فعل كل ما يحلو له، آخذاً في اعتباره أنه لن يحول دون بقاء القوات أو تدفق الأموال. ------- فريد كالبان محلل سياسي أميركي ------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس».