التصويت بأغلبية صغيرة في سويسرا ضد «الهجرة الهائلة»، المتوقعة نتيجة لقبول التزام الاتحاد الأوروبي بحرية المرور داخل حدود منطقة شينغين الأوروبية، ترك السلطات في حالة ذهول. وكان من المتوقع أن تقبل سويسرا هذا الاتفاق كجزء من معاهدة شراكة معدلة مع الاتحاد الأوروبي. والآن يخشى زعماء دول الاتحاد الأوروبي من احتمال أن تتمخض انتخابات البرلمان الأوروبي عن نتائج أخرى معادية للهجرة. وتقليدياً تفسر نتائج عمليات تصويت مثل التي حدثت في سويسرا بأن سببها المشاعر المعادية للمهاجرين في الأحزاب اليمينية والشعبوية التي تصاعدت في السنوات القليلة الماضية. وفي ظل الظروف الاقتصادية المضطربة السائدة منذ عام 2008، وأزمة «وول ستريت»، ذهبت الأحكام التقليدية في الجدل السياسي الأوروبي إلى تفسير المشاعر متصاعدة العداء تجاه الأجانب بأنها نتيجة رهاب الأجانب والعنصرية وظهور تعاطف جديد مع اليمين السلطوي المتطرف. لكن التحليل لا ينطبق على الحالة السويسرية، فعدد السويسريين يزيد قليلاً على سبعة ملايين، ومن بين العدد الإجمالي الذين صوتوا بالفعل في العملية التي جرت في التاسع من فبراير لم يرجح كفة التصويت إلا 19 ألف شخص فقط. ويقيم في سويسرا ما إجماليه 125 ألف أجنبي، بينهم سائقو السيارات ونجوم في السينما والتنس وكرة القدم الأوروبية وسماسرة متقاعدون وأشخاص أثرياء لا يرغبون في أن يدفعوا الضرائب في بلدهم الأصلي، وهم يسهمون في رفاهية السويسريين. وأكبر مجموعة مفردة من المهاجرين المقيمين في سويسرا هم الألمان ويمثلون 24 في المئة، وإذا أضيف النمساويون، فإن المهاجرين الناطقين بالألمانية يشكلون أكثر من الربع. وثاني أكثر الجماعات عدداً هم البرتغاليون ويمثلون 14,4 في المئة، وبعدهم يأتي الإيطاليون ويمثلون 12,9 في المئة، والفرنسيون ويمثلون 10,7 في المئة، والإسبان ويمثلون 5,9 في المئة. والسكان الأفارقة في سويسرا نسبتهم 4,3 في المئة، ويزيد الآسيويون قليلاً على اثنين في المئة. فشوارع البلد ليست مزدحمة بالعمال الأجانب الفقراء ولا بأفراد أسرهم الممتدة الذين يرتدون ملابسهم الوطنية الغريبة ويتحدثون لغتهم الأصلية. أرى أن مشكلة الهجرة في أوروبا حقيقة لكن يساء فهمها. فسويسرا غير نمطية بالمرة والمقارنات مع الهجرة في الولايات المتحدة مضللة تماماً. والمهاجرون الحاليون في غرب أوروبا، كان السبب في وجودهم هو توظيف العمال لبناء المدن التي دمرتها الحرب والعمل في المصانع الأوروبية دون التفكير إذا ما كانوا سيعودون في نهاية المطاف إلى ديارهم، وهو ما لم يفعلوه، ومع نهاية الحقبة الاستعمارية عاد عشرات الآلاف إلى «ديارهم» في أوروبا التي لم يروها قط، لكنهم يحملون جواز سفرها. وأدت الحروب في آسيا والشرق الأوسط إلى هجرات غير قانونية إلى غرب أوروبا. والاضطرابات الحالية الخاصة بالمهاجرين في أوروبا وفي الدول الأوروبية المضيفة، سببها الفشل واسع النطاق في احتواء المهاجرين ثقافياً وسياسياً. وهذه مشكلة لا يواجهها الأميركيون، لأن المهاجرين يأتون في الغالب إلى أميركا بغرض أن يصبحوا مواطنين، وغالباً يكون لديهم بالفعل في الولايات المتحدة بعض أعضاء من عائلاتهم وقيادات دينية من بلادهم الأصلية. وفي أوروبا الغربية، هناك نموذجان لاحتواء المهاجرين في المجتمعات المضيفة. أكثرها نجاحاً، النموذج الفرنسي الذي يطالب المهاجرين بأن يدمجوا أنفسهم في المجتمع من خلال الالتحاق بمدارس فرنسية تعمل على الاحتواء الثقافي بقوة، ويطالبهم بتحدث اللغة والتسليم ضمناً بتفوق الثقافة الفرنسية. والنموذج الثاني هو بريطانيا والكثير من الدول الاسكندنافية، حيث يفترض أن يشكل المهاجرون مجتمعاتهم ذاتية التنظيم ويمارسوا شعائرهم ما دام أنها قانونية بمساعدة من الدولة. وهذا نموذج للتعدد الثقافي الذي لا يسعى صراحة للاحتواء الثقافي، لكن يترك هذا لمغامرة الاحتكاك بالثقافة الشعبية وتجربة الحياة في حضارة مختلفة، وهذا النموذج يميل إلى إنتاج غربة وعزلة المهاجرين. والفشل في النموذجين مسؤول عن الافتقار إلى مستوى مطمئن من التكيف والاحتواء والمشاكل الاجتماعية الكثيرة الناجمة عن الهجرة واسعة النطاق من حضارة إلى أخرى. إنه السبب أيضاً في تصاعد المقاومة في أوروبا الغربية للهجرة من ثقافات مختلفة وجاليات المهاجرين كما تجلى في سويسرا. وليام فاف محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. انترناشيونال»