أدى وزير الخارجية الأميركي جون كيري صنيعاً كبيراً للإسرائيليين والفلسطينيين بدفعهم إلى الإقدام على محاولة أخيرة للتفاوض بشأن «حل قيام دولتين»، وبعد أشهر من الجهود سيقدم «كيري» مسودة تتضمن إطاراً سيكون أساساً لاتفاق نهائي. ووصف منتقدون مثل وزير الدفاع الإسرائيلي مشروع كيري بأنه «ملحاح وتبشيري». ورغم أن تعليقات «يعالون» فندها نتنياهو سريعاً، لكن وزير الدفاع يظل محقاً: فعلى المرء أن يكون ملحاحاً بالفعل في محاولته لتضييق الفجوة الحالية بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وقد استطاع «كيري» بسبب إلحاحه أن يفرض على الجانبين مواجهة العواقب المحتملة في حال فشلت مساعيه. وأهمية حملة «كيري» شرحها لي «عمرام متسناع» عضو «الكنيست» عن حزب الحركة الوسطي الذي تمثل رئيسته تسيبي ليفني إسرائيل في المحادثات. ويعتقد «متسناع» الذي زار فلادليفيا خلال الآونة الأخيرة، أنه «لم يظهر من قبل وزير خارجية منشغل بالقضية ومؤمن بها بمثل هذا الحد... هذه هي الفرصة الأخيرة للولايات المتحدة لأن تكون ضالعة في الأمر كما تفعل الآن». وأضاف «إذا فشلت هذه المحادثات، فلا أرى في الأفق موعداً سنكون قادرين فيه على التوصل إلى اتفاق لأننا نحتاج إلى قوة خارجية لدفعنا قدماً لفعل هذا. وثمن الفشل بالنسبة لإسرائيل في هذه المفاوضات الحالية سيكون مرتفعاً للغاية». ولمتسناع خبرة طويلة في جهود محادثات السلام الفاشلة. والجنرال المتقاعد أصبح رئيس بلدية مدينة حيفا التي يختلط فيها اليهود والعرب وقاد في وقت لاحق حزب «العمل» ليخسر بفارق كبير في انتخابات رئاسة الوزراء عام 2003 أمام شارون. وكان الناخبون الإسرائيليون متشككين في ذاك الوقت بشأن احتمالات التوصل إلى اتفاق سلام، وهم الآن أكثر تشككاً. لكن متسناع يعتقد أن هناك دروساً تفرض نفسها على إسرائيل، فالدولة العبرية لا تتحمل كلفة إبقاء سيطرتها على الضفة الغربية، ولا كلفة سيطرتها غير المباشرة على غزة. ويعتقد أن الهدوء النسبي في هذه المناطق لن يدوم. ومضى يقول «نحن نوشك أن نواجه انتفاضة فلسطينية ثالثة». واستخدمت الانتفاضة الفلسطينية الأولى الحجارة، أما الانتفاضة الثانية فقد استخدمت المسدسات والتفجيرات الانتحارية. ويرى «متسناع» أن الانتفاضة الثالثة ستستخدم آليات مختلفة تتمثل في «استخدام وسائل الإعلام وتحريض الرأي العام العالمي ضد إسرائيل. والمناخ مهيأ أكثر من أي وقت مضى لعزلة إسرائيل». وأثار «كيري» في الآونة الأخيرة هذا الاحتمال الخطر واتهمه بعض المتشددين الإسرائيليين بغير وجه الحق بأنه يروج لمقاطعة إسرائيل. لكن كيري مثل «متسناع» كان يصف فحسب احتمالاً وارد الحدوث إذا ظلت إسرائيل تحتل الضفة الغربية وتبني المستوطنات فيها دون إجراء مزيد من المحادثات بشأن حل الدولتين ودون حقوق سياسية للفلسطينيين. وهذا سيجعل العالم يشعر بأن هناك إعادة إنتاج لسياسة التفرقة العنصرية التي كان معمولاً بها في جنوب أفريقيا. وأنا أضيف شيئاً لم يذكره «متسناع»، وهو أن السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية تحصل إلى حد كبير على تمويلها من المساعدات الأجنبية والكثير منها من مصادر أوروبية. وإذا استمر الاحتلال إلى أجل غير مسمى، ستجف المساعدات وستكون إسرائيل حينئذ مسؤولة قانونياً عن تحمل أعباء استمرار حركة الحياة في الضفة الغربية. ويعتقد «متسناع» أن الاتفاق على إطار عمل سيبعد حدوث مثل هذه الاحتمالات، وسيضمن استمرار المفاوضات. ويرى أن عدم الاستقرار الحالي في العالم العربي يمثل عاملاً معززاً للتوصل إلى اتفاق لأنه لا يوجد جيش عربي على الأرجح قادر على تهديد إسرائيل في السنوات الخمس عشرة المقبلة. ويرى أن الأهم من ذلك هو التوصل إلى اتفاق يعلن رسمياً انتهاء الصراع وينص تحديداً على عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى دولة فلسطينية جديدة. فإذا عادت أفواج الفلسطينيين الذين أخرجوا من ديارهم في غضون حرب 1948 إلى إسرائيل، فلن تكون هناك دولة يهودية في واقع الحال. وقد يقبل الجانبان بقيام دولة فلسطينية من دون سلاح على حدود ما قبل حرب 1967 مع القيام بعمليات تبادل للأراضي حتى تستطيع إسرائيل أن تحتفظ بمستوطنات كبيرة في الضفة الغربية. ترودي روبن محللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. انترناشيونال»