المسؤولية الاجتماعية الحكومية والمؤسساتية الخاصة، والتي تتبع المجتمع المدني والفردية أو الشخصية هي مكونات المسؤولية الاجتماعية المتكاملة، وسبيل الوصل للتنافسية الإيجابية في المسؤولية الاجتماعية وبالتالي رقي المجتمعات بصورة شاملة، ورفع كفاءة وأداء وإنتاجية قطاع الأعمال والاستدامة التنموية في القطاع الحكومي ورضا وسعادة أكبر للشعوب. ولكن في هذا الجزء من العالم لا نتكلم إلا عن مسؤولية القطاع الخاص في التبرع بجزء من أرباحه المالية الطائلة في مشاريع تنمية المجتمع والمساهمة المالية وبناء المشاريع الخيرية والنفعية للمجتمع، كما نتحدث عن الحكومة وكيف يجب أن تكون رعوية وما يحصل عليه المواطن كأنه حق مكتسب غير قابل للنقاش، ولكن نادراً ما نتحدث عن دور ومسؤولية الفرد المجتمعية، وهو الأساس في بناء الحضارات. فترى الأفراد في سنغافورة أو سويسرا في غاية الانضباط الاجتماعي وتحمل المسؤولية الاجتماعية، وفي حالة سنغافورة بدل من الانتظار 400 سنة للحاق بركب التقدم الغربي، اتخذت نموذجاً فذاً في تحقيق التنمية، فكان الساسة مديرين تنفيذيين بارعين يديرون دولتهم كشركة خدمية ربحية تعتنق بصورة كليه المسؤولية المجتمعية ودور الأفراد في ذلك النمو، وكان الفاصل والعامل الأكثر تأثيراً بعد تحملهم مسؤوليتهم المجتمعية بتفوقهم على أنفسهم في كل عمل يقومون به، وأخذ زمام المبادرة الشخصية في التفوق المهني والاقتصادي والمعرفي وتربيتهم الحديثة لأطفالهم وباحترام القوانين، وتفعيل الحياة المدنية والحفاظ على البيئة ومساعدة الحكومة في إدارة الكثير من القطاعات المجتمعية الحيوية بدعم متواصل من الحكومة المركزية كما هو الحال في الدول الإسكندنافية. وحتى نصل لوعي تلك الشعوب في المسؤولية المجتمعية الفردية، يجب أن نبدأ من المدرسة وفي مختلف المراحل بداية من الروضة بتعليم أهمية وسبل تطبيق المسؤولية الاجتماعية الفردية، وجعلها مادة تطبيقية محورية للتخرج من تلك المراحل الدراسية ونشر ثقافتها بصورة ممنهجة عن طريق الجهات الحكومية والمجتمع المدني ومجتمعات شبكات التواصل الاجتماعي. فمعنى المسؤولية الاجتماعية الفردية هو اتخاذ الفرد الخيارات والعمل بالممارسات، التي تفيد وتحافظ على نفسه ضمن الأطر القانونية والشرعية والأخلاقية والأعراف المجتمعية، وكذلك ما يفيد الأفراد الآخرين والمجتمع ككل والبيئة وتحمل المساءلة الذاتية ذات القيم الإنسانية العادلة، فكل قرار أو تصرف يتخذه أو يكون مسؤولاً عنه الشخص هو وسيلة للتعبير عن المسؤولية الاجتماعية الشخصية. فعندما لا نسيء استخدام التكنولوجيا وتقنيات التواصل الحديثة، ولا نستخدم المنتجات التي من شأنها أن تلحق أضراراً بالبيئة واحترام النظام والالتزام به، بحيث لا نعتبر أنفسنا أهم من الآخرين وعدم المساهمة في نشر وتبني ممارسات الفساد المالي والإداري والأخلاقي والروحي والتلوث الفكري...الخ أو عدم التقصير في أداء المهام الوظيفية أو تربية الأبناء أو عندما نتطوع لرعاية أسرة معوزة أو زيارة الأيتام ودعمهم نفسياً وتربوياً، أو تنظيم حدث أو نشاط من خلال القنوات الرسمية ليعود بالنفع على المجتمع ككل، أو نساهم في تأسيس سوق خيرية للأرامل والمطلقات وندعمه بالتبضع فيه بصور دائمة، أو نؤسس مركز دعم اجتماعياً نفسياً أو توجيهاً مهنياً نديرها بإشراف ومراقبة الجهات الحكومية المعنية. وعندما نأكل الغذاء السليم، ونقوم بممارسة الرياضة بشكل دوري، أو عندما لا نسكت عن الخطأ والتجاوز بحق الوطن والمجتمع، ونبلغ الأمر للجهة المسؤولة.. وكل ذلك أمثلة بسيطة على تحمل المسؤولية الفردية. وتتضح أهمية المسؤولية الفردية في الإسلام بصورة جلية، ولكن ترى المتشدقين باسم تأسيس دولة الخلافة يريدون تطبيق الشريعة وفق النموذج الخاص بهم، ولا يأبهون بتطبيق روح الشرع والقيام بواجباتهم كمسلمين، فهناك دول إسلامية أغلب الشعب فيها يعاني من جوع وفقر شديد، متناسين من يحكمونهم أن الدين قائم على تهذيب النفوس وطوعية تبني ممارسات المسؤولية الاجتماعية الفردية كأعلى نوع من التحضر الإنساني، ولكنه لا يمارس كذلك بل كبقالة روحية ربحية فئوية. ففي الإسلام يتصرف الفرد بخوف من الله، لتحقيق الصالح العام والحفاظ على وحدة الجماعة من خلال سلوكه المسؤول مع النفس والغير، كما يمنح الفرد الحق في امتلاك واستخدام ممتلكاته بما يتماشى مع خياراته في إطار المبادئ التوجيهية للشريعة، ويؤكد أن الإسلام في المشاركة في الأنشطة الاقتصادية، وروح المبادرة الفردية من خلال العمل التطوعي. ويُعتقد في الإسلام أن التطوع هو أحد مفاتيح نجاح الإنسان ورضا الرب، فعلى سبيل المثال، فرض الزكاة في مال المسلمين هو واجب شرعي على كل مسلم حر بالغ مالك النصاب ملكاً تاماً ليكون مصدر دخل للدولة وأهم أسلحة القضاء على الفقر، وفي الواقع روح الزكاة هو وضع ثروات المجتمع إلى مزيد من التداول، وسوف يؤدي ذلك إلى العدالة الاقتصادية، والاستقرار الاجتماعي، وفي الوقت نفسه تشجيع الأفراد لإعطاء الصدقات للفقراء أو في إنفاق الأموال، من خلال آلية الأوقاف لمصلحة الجمهور العام إلى جانب الزكاة ومن خلال هذه الآلية الطوعية والأفراد تتحسن حالة الجماهير. وإذا كانت الزكاة التي تجمعها الدولة ليست كافية لتلبية الاحتياجات الأساسية للجماهير، تتجه الدولة لرفع الإيرادات عن طريق فرض الضرائب. وهذه الأخيرة المفروضة لا ينبغي أن تكون واسعة النطاق لدرجة أنها تقلل من حقوق الفرد وحريته، ولتحقيق التوازن بين حق الفرد والمسؤولية الاجتماعية. ولو طبق هذا من خلال المسؤولية الفردية لما تحدثنا عن فقراء وتوزيع عادل للثروات، فهي ممارسة من صميم الإسلام لا تمارس ولم نسمع عن ربيع الزكاة الإسلامي ليتحمل كل مسلم مسؤوليته الشخصية الشرعية اتجاه دعم أفراد مجتمعه، فزكاة بعض المسلمين السنوية لا تقل عن 50 مليون دولار وبعدهم تصل لمبالغ خيالية وهم يعدون بمئات الآف ولو جمعت زكاتهم هل سنتحدث اليوم عن فقر وأسر معوزة؟ فالشخص المسؤول اجتماعياً، في أكثر الأحيان، يعترف بأن سلوكه يؤثر على الآخرين، ويحمل نفسه المسؤولية عن أفعاله ولا يلوم تلقائياً أي مصدر خارجي للأخطاء التي يرتكبها أو ضعف مساهمته في تطوير نفسه ومجتمعه ووطنه، فهو يقوم بتدوير النفايات مثلاً عن طريق شراء سلات مهملات متنوعة لكل نوع من المهملات أو لا يستخدم مواد ذات سمية عالية ويتسبب في تلوث بيئته ككل بأي شكل من الأشكال وفي كل أعماله بالحياة تجده مثالاً صحياً ونموذجياً لأطفاله، فلا ينشأون عالة على الآخرين ويقومون بسوء معاملة باقي أقرانهم في محيط مسكنهم أو مدارسهم، مما يترك آثاراً نفسية تكلف الدولة لاحقاً المليارات في علاج الضحايا ( 4000 طفل يراجعون عيادات الطب النفسي سنوياً في إحدى المدن الخليجية وتعداد السكان فيها لا يتعدى المليونين ونصف المليون شخص) أو يكون أحد المؤثرات التي جعلته يتجه اتجاهاً سلبياً ضد المجتمع والرغبة بالانتقام. فتلك الأحداث تبقى في العقل الباطن وتسترجع من خلال اللاوعي لتتسبب أحياناً في مشاكل كارثية على الإنسانية، فالمسؤولية الاجتماعية الفردية أو الشخصية هي أسلوب حياة يجعل الفرد يلتزم بتبني وترسيخ المسؤولية الاجتماعية في نظام قيمه، فيمكننا بناء المستقبل دائماً لأطفالنا وشبابنا، ولكن الأهم أن نبني أطفالنا وشبابنا للمستقبل.