اليابان كأمة مجهزة دائماً بشكل جيد لمواجهة الكوارث الطبيعية. ففي السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية وحتى الآن، قامت الحكومات اليابانية المتعاقبة باستثمار أموال طائلة في إنشاء مبان أكثر متانة، وتعزيز تقنيات التنبؤ بالزلازل والعواصف، وتدريب مواطنيها بشكل منتظم على مواجهة الكوارث. وكانت النتيجة- كما يقول بعض علماء الاجتماع- هي حدوث تغير في عقلية الشعب الياباني، وتحولها من عقلية سلبية ذات خلفية بوذية عمرها قرون، أو حتى عقلية تتسم بالقدرية، إلى عقلية تؤمن بأن قادة اليابان المنتخبين يمكن- بل يجب- أن يقوموا باتخاذ قرارات تحمي الشعب من غضبة عناصر الطبيعة. ولكن ما حدث هذا العام هو أن تصميم الأمة اليابانية- وإلى حد ما ثقتها في قياداتها- تعرضا لاختبارات صعبة بسبب ما لا يقل عن 10 أعاصير، وبسبب الزلزال الذي وقع يوم 23 أكتوبر. وهذا الزلزال الذي بلغت قوته 6.8 درجة على مقياس "ريختر"، وما تلاه من توابع عنيفة توالت في شكل سلسلة، جعلت المباني تتمايل بشكل متصل حتى بعد وقوع الزلزال بيومين، وخصوصاً في منطقة "نايجاتا" الواقعة على ساحل بحر اليابان. وتشير الأنباء إلى أن هناك 25 شخصاً على الأقل قضوا نحبهم نتيجة للزلزال وتوابعه، وأن الآلاف تعرضوا لإصابات متنوعة، وأن عشرات الآلاف من السكان أمضوا ثلاث ليالٍ في مراكز الإيواء العاجل التي أقيمت في العراء وتحت درجات حرارة انخفضت إلى ما دون 10 درجات مئوية، كما نام البعض في سياراتهم بعد أن تركوا ماكينتها دائرة، في حين قامت الكثير من محطات الوقود بإغلاق أبوابها بسبب انقطاع التيار الكهربائي. وقد جاء الزلزال مباشرة في أعقاب الإعصار المسمى "Tokage" الذي أحدث أضراراً بالغة بمساحات كبيرة من الأراضي في المناطق الزراعية الأسبوع الماضي. ولقي 83 شخصاً تصادف وجودهم في مسار الإعصار مصرعهم، وهو ما يعتبر أكبر عدد من الخسائر البشرية التي تحدث جراء إعصار في الخمس وعشرين عاما الأخيرة، ناهيك عن الأضرار التي أحدثها، والتي تعتبر الأكبر من نوعها خلال نفس الفترة- حسب ما جاء في البيان الصادر من رئاسة الوزارة اليابانية.
وبفضل الجهود التي تم بذلها في السنوات الأخيرة، فإن معظم اليابانيين أصبحوا يتوقعون أن يقوم مسؤولوهم باتخاذ القرارات الصائبة بشأن التكيف مع حقيقة أن جزرهم تستقر فوق ما يعرف بخط صدوع الزلازل، وعلى طريق الأعاصير،علماً بأن مثل هذا التوقع لم يكن معروفاً على الدوام من قبل.
فقبل عصر التصنيع (كانت البيوت اليابانية تصنع من الخشب والأوراق على أساس أن مثل هذه المواد يمكن استبدالها بسهولة، وهو ما جعل الناس قادرين على التكيف ذهنياً مع ظاهرة الكوارث الطبيعية) حسبما يقول البروفيسور "توشيو ياماجيشي" أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة "هوكايدو". ويضيف البروفيسور "توشيو" قائلا:"أما الآن فإن المساكن أصبحت مكلفة جداً... فبعد أن دخلت البلاد إلى مرحلة التصنيع، أصبح الشعب يتوقع من الحكومة أن تعتني به".
واليابان تعتبر من أكثر دول العالم من حيث النشاط الزلزالي، حيث يقع بها ما نسبته 20 في المئة من مجموع الزلازل التي تحدث في العالم بـ6 درجات، فما فوق، على مقياس ريختر. ونتيجة لذلك قامت الحكومة باستثمار مبالغ طائلة في بناء أنظمة فائقة التطور للإنذار المبكر من الزلازل، على الرغم من أن معظمها يسبب الكثير من الإزعاج لعشاق الطبيعة والسياح الأجانب. ومن مظاهر ذلك الإزعاج أن السلطات اليابانية قامت على سبيل المثال، بإغلاق جميع الأنهار الواقعة في المناطق الحضرية في محاولة لتخفيف أضرار الفيضانات المرتبطة بالأعاصير.
وقبل أن تقوم اليابان بتركيب أعلى رادار للتنبؤ بحالة الطقس في العالم فوق قمة جبل "فوجي" عام 1964، لم يكن لديها سوى استعدادات محدودة لمواجهة الرياح العاتية، والأمطار الغزيرة التي تصاحب الأعاصير الكبيرة.
وفي السنوات الأخيرة تحسنت وسائل التنبؤ بالأعاصير، الأمر الذي ساعد على إنقاذ حياة الكثيرين وتقليص التكاليف الاقتصادية. وقد أدت الأقمار الاصطناعية والأنظمة الرادارية، إلى تحسين وسائل التنبؤ بالكوارث الطبيعية، كما أن الحكومة اليابانية لا زالت تقوم بإنفاق أموال طائلة على البحوث العلمية.
وبفضل ذلك الإنفاق، تمكنت شركة "NEC" من ابتكار جهاز سوبر كمبيوتر قوي يعمل كجهاز لمحاكاة الأرض في مدينة "يوكوهاما"، و يستخدم في الأساس للتنبؤ بأنماط التغييرات المناخية العالمية. وقامت الشركة بإنشاء موقع لهذا الجهاز على شبكة الإنترنت عام 2002 تعميماً لفائدته.
وعلى الرغم من تلك الإمكانيات، فإن السلطات اليابانية تعترف بأن قدرتها على التنبؤ بالزلازل لم تحقق نفس القفزات. فحتى مع التحذيرات الكافية، فإن تلك الموجة الأخيرة من الأعاصير، ضربت المزارعين اليابانيين بقوة حيث تعرضت محاصيل مثل التفاح والأرز للتلف قبل أن يحين موسم حصادها في الخريف. وقد أدى ذلك إلى ارتفاع كبير في أسعار الخضر والفاكهة على وجه التحديد، حيث تضاعف سعر الواحدة من الخس بمقدار ثمان