أظهر استطلاع للرأي أجري مؤخراً أن أغلبية سكان ولاية ميامي الأميركية يؤيدون تطبيع العلاقات بين الولايات المتحدة وكوبا، وأحدث هذا الاستطلاع الكثير من الإثارة في وسائل الإعلام، حيث تنبأ منظمو الاستطلاع والعديد من النقاد أن هذا المسح سوف يكون له تأثير كبير على سياسة الولايات المتحدة نحو هذه الجزيرة. وللأسف، فإنني لا أشاركهم الرأي. وبعد قراءة نص الاستطلاع والتحدث الى بعض العالمين ببواطن الأمور في واشنطن، فإنني لست على ثقة من أن واشنطن – خاصة الكونجرس الأميركي، الذي يملك إجراء تغييرات كبيرة في السياسة الأميركية تجاه الجزيرة – سوف يتأثر بنتائج الاستطلاع. وقد وجد الاستفتاء، الذي أصدره المجلس الأطلسي في وقت سابق من هذا الأسبوع، أن 56 بالمئة من الأميركيين و64 بالمئة من سكان ميامي، وهو أمر مثير للدهشة – يفضلون تغيير سياسة الولايات المتحدة الحالية تجاه الجزيرة. «هذه الدراسة توضح أن معظم الأميركيين على جانبي الممر المؤدي الى الجزيرة على استعداد لإحداث تغيير في السياسة» بحسب ما قاله «بيتر شيشتر» و«جيسون ماركزاك»، وهما من كبار المسؤولين بمركز «أدريان أرشت لأميركا اللاتينية» بالمجلس الأطلسي الذي أمر بإجراء الاستطلاع. وأضافا أن «أكثر ما يثير الدهشة، أن سكان فلوريدا أكثر تأييداً من أي دولة داعمة لتغيير المسار إما تدريجياً أو كلياً». والمشكلة هي أننا قد سمعنا هذا مرات عديدة من قبل. ومثل غيره من استطلاعات الرأي التي أظهرت تأييداً متزايداً لتخفيف العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة على الجزيرة، فإن دراسة المجلس الأطلسي تم إجراؤها بين عامة السكان – وليس بين الناخبين المحتملين. وهناك فارق كبير، الأمر الذي يتأمله رجال السياسة في واشنطن عن كثب. في عام 2009، أظهر استطلاع أجرته شركة «بيندكسين» أن 47 بالمئة فقط من الأميركيين من أصل كوبي يؤيدون الحظر الذي تفرضه الولايات المتحدة على الجزيرة، مقارنة بـ82 بالمئة في 1992، و62 بالمئة في عام 2005. ولكن مرة أخرى، كانت هذه الاستطلاعات التي أجريت بين عامة السكان، وليس بين الناخبين المتوقعين. ويوم الأربعاء قبل الماضي، أجريت اتصالًا بـ«شيشتر» و«ماركزاك»، واستعلمت منهما عن منهجية الاستطلاع. وقد أكدا لي أن الاستطلاع قد أجري في الواقع بين عامة السكان، لكنهما أكدا أن ما يزيد على 90 بالمئة ممن شملهم الاستطلاع - على الصعيدين الوطني وفي ولاية فلوريدا – هم من الناخبين المسجلين. ومع ذلك، فإن الاستطلاع لم يطرح أسئلة من شأنها أن تعطينا لمحة حول ما اذا كان هؤلاء الناخبون المسجلون هم من الناخبين المحتملين. وقال شيشتر «اذا ما كنا ندير انتخابات، فسوف نجري التصفية بناء على الناخبين المسجلين، أو الأشخاص الذين يعتزمون الإدلاء بأصواتهم. ولكن هذه تعتبر حملة خاصة بقضية، وعندما تجري مثل هذه الحملات، فإنك تحاول استطلاع كافة الآراء». ولكن كلا من المشرعين الأميركيين من أصل كوبي المنتمين للحزب «الجمهوري»، والذين يميلون إلى أن يكونوا من أشد مؤيدي العقوبات الأميركية على كوبا، ونظرائهم من الحزب «الديمقراطي» يقولون إنه من غير المرجح أن يغير الاستفتاء موقفهم الداعم للحظر، ولا كذلك موقف الكونجرس. «إنني لا أرى أن الاستطلاع سيغير السياسة العامة للكونجرس الأميركي»، كما قال السيناتور «بوب مينينديز»، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، أثناء المقابلة التي أجريتها معه عبر الهاتف. وأضاف «أنني أنظر إليه كتعبير آخر عن هؤلاء الذين يريدون تغيير السياسة في محاولة لخلق البيئة التي يأملون أن تتغير فيها السياسة. لكنهم يأملون بما يتمنون تحقيقه.» أما «جو جارسيا» عضو الكونجرس عن مقاطعة ميامي، الذي يعتبر مؤيداً قوياً لسياسة أوباما الهادفة إلى توسيع مجال السفر والتحويلات المالية إلى كوبا، فقد أخبرني في مقابلة أخرى أن الاستفتاء الجديد «لا معنى له». وأضاف «لقد رأينا هذا من قبل». وأشار إلى أن الحظر يعتبر قضية عاطفية بالنسبة للكثير من الناخبين الأميركيين من أصل كوبي، وأن هؤلاء الذين يؤيدون القضية يميلون للاقتراع عليها، بينما أولئك الذين يعارضونها، فإنهم يميلون للادلاء بأصواتهم استناداً على قضايا أخرى. وأضاف جارسيا «ليس هناك رغبة في معارضة هذا الأمر في الكونجرس، لأنه لا يضيف أي أصوات. والسياسة هي لعبة إضافة وليست لعبة طرح». ومن وجهة نظري، أن الاستطلاع الذي أجراه المجلس الأطلسي هو استطلاع جاد قام به أناس جادون، لكنني أشك في أنه سيكون له تأثير سياسي كبير. رجال السياسة في الولايات المتحدة لن يغيروا آراءهم، لأن معارضة الحظر – كما قال جارسيا – لا تضيف أي أصوات. كما أن السياسيين الكوبيين غير مهتمين بتطبيع العلاقات كذلك، لأنهم في حاجة إلى المحافظة على تخيل أنهم في «حرب» مع الولايات المتحدة من أجل البقاء في السلطة الى أجل غير مسمى. إنني أود أن يستمر أوباما في توسيع السفر في كلا الاتجاهين، لأن الكوبيين الذين يأتون إلى ميامي غالباً ما يعودون إلى الجزيرة بنظرة أكثر إيجابية تجاه الولايات المتحدة أكثر من النظرة التي جاءوا بها. كما يتعين على أوباما أيضاً، من خلال الإجراءات التنفيذية، توسيع التبادل التجاري مع الشركات الكوبية، التي لا تدار من قبل الديكتاتورية الموجودة بالجزيرة. لكنني لا أتوقع حدوث أكثر من ذلك حتى تظهر بوادر لحدوث تغيير جدي في كوبا. أندريس أوبنهايمر أندريس أوبنهايمر كاتب أرجنتيني متخصص في شؤون أميركا اللاتينية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم.سي.تي. انترناشونال»