بعد مقاطعة دامت تسع سنوات، أعادت الولايات المتحدة علاقاتها بـ«نارندرا مودي»، زعيم حزب «باهارتيا جاناتا»، الذي أعلن أنه سيكون مرشح الحزب لتولي منصب رئيس الوزراء. وقد التقت «نانسي باول» السفيرة الأميركية في الهند هذا الأسبوع «مودي» فيما يعتبر أول اتصال رفيع المستوى بين زعيم الحزب الهندي وأحد المسؤولين البارزين في الولايات المتحدة. وعقد اللقاء في «جاندهيناجار» عاصمة ولاية «جوجارات» التي يشغل «مودي» منصب رئيس وزراء حكومتها الإقليمية. وأظهرت لقطات تلفزيونية «باول» وهي تصافح «مودي» مبتسمة، وهو يقدم لها باقة من الزهور الحمراء والصفراء. ويعتبر اللقاء بادرة أخرى لصعود «مودي»، الذي يتقدم في استطلاعات الرأي على منافسه الرئيس ونائب رئيس حزب المؤتمر راهول غاندي للفوز في الانتخابات العامة المقرر إجراؤها في غضون ثلاثة أشهر. كما أقيم احتفال لتكريم زعيم الحزب الهندوسي الذي يبلغ من العمر 63 عاماً لنجاحه في تحويل ولاية «جوجرات» التي تقع غربي الهند إلى قوة اقتصادية، ولكنه في الوقت نفسه لاقى انتقاداً قوياً لتزعمه أسوأ نوبات العنف بين الهندوس والمسلمين في الهند. وقد أدت أعمال العنف التي اندلعت في هذه الولاية إلى مقتل ما يزيد على ألفي مسلم. وخلال الـ12 عاماً الماضية رفض «مودي» الخوض في أي تفاصيل كبيرة تتعلق بأعمال الشغب التي وقعت عام 2002. وحتى في المقابلات التي أجريت معه كان دائماً يرفض الإجابة على أي أسئلة تتعلق بهذه الأحداث. وعلى مر السنين، ظل «مودي» في مقاطعة مع واشنطن ودول غربية أخرى بسبب أعمال العنف التي اندلعت عام 2002. وكانت هذه الدول ترفض استخراج تأشيرة دخول له لزيارتها. وفي عام 2005، رفضت الولايات المتحدة منح السيد «مودي» تأشيرة دخول، وصرحت بوضوح أنه كان «المسؤول عن أداء مؤسسات الولاية» عندما وقعت أعمال الشغب في عام2002. كما اتهمته جماعات حقوق الإنسان، وكذلك خصومه السياسيون، بأنه كان يغض الطرف عن أعمال العنف التي وقعت في الولاية. ولم تتلاش ذكريات هذا العنف الطائفي من القلوب والعقول، حيث لا تزال تشوه سمعة «مودي»، وقد اندلعت أعمال العنف بعد مقتل 59 شخصاً، معظمهم من الهندوس في حريق شب في قطار. وقتلت الحشود الهندوسية بعد ذلك 1000 شخص على الأقل، معظمهم من المسلمين. لكنّ الأميركيين بدؤوا الآن محاولة الوصول إليه، بعد إدراك أن «مودي» لديه فرصة كبيرة للفوز في الانتخابات العامة المقبلة ليصبح رئيس وزراء الهند. وتأتي هذه المصالحة عقب لقاء «مودي» وسفير الاتحاد الأوروبي في أواخر العام الماضي، لتنتهي المقاطعة الرسمية بين الطرفين. وحتى قبل اختياره للترشيح لمنصب رئيس الوزراء، تحدث السياسي الموصوم عبر سكايب لوفد زائر من أعضاء البرلمان بالاتحاد الأوروبي والتقي في وقت لاحق بعدد قليل من سفراء الاتحاد الأوروبي. وفي ذلك الوقت، أعلن عن دعوة «مودي» لزيارة مقر البرلمان الأوروبي. ويوم الخميس الماضي، ناقش السفيرة الأميركية «باول» والسيد «مودي» مجموعة من القضايا مثل الإرهاب والعلاقات بين الهند والولايات المتحدة. كما ناقش الجانبان الوضع في أفغانستان، حيث تستعد الدولة لانسحاب القوات الغربية منها. وقد حظي اللقاء بتغطية إعلامية مكثفة فيما ذكرت السفارة الأميركية أنه يأتي في إطار التواصل مع رجال السياسة في الهند. ولكن لم يكن هناك شيء روتيني واضح حول الاجتماع الذي عزز بطريقة ما إدراك أن «مودي» هو السياسي الذي يجب الانتباه له في هذه الانتخابات. ولكن بسبب أعمال الشغب التي وقعت في عام 2002، إلى جانب جذوره كسياسي قومي هندوسي يميني، يظل «مودي» شخصية تدعو إلى التباين في الآراء داخل السياسة الهندية. أما الأحزاب السياسية الهندية الأخرى، التي تتبع التيار الرئيس، فسوف تظل على حذر من التحالف مع حزب «بهارتيا جاناتا»، لأن جماعات هندوسية يمينية متطرفة تشيد بمودي. وفي شهر يونيو من العام الماضي، استقال حزب «جاناتا دال» الذي ظل حليفاً لمودي لفترة طويلة، بسبب القلق من أن إعلاء شأنه كمرشح لتولي منصب رئيس الوزراء سيضر بقاعدة تصويته. لكن «مودي» لا يزال يكتسب قوة في الوقت الذي يتعثر فيه منافسوه. فقد مر حزب «المؤتمر» بمرحلة من الشعبية المتدنية عقب سلسلة من فضائح الفساد، وارتفاع معدلات التضخم، وزيادة أسعار السلع الرئيسة. وتتوقع أحدث استطلاعات الرأي التي أجرتها بعض القنوات التلفزيونية أن حزب «بهاراتيا جاناتا» سيبرز باعتباره الحزب الأوفر حظاً في الانتخابات العامة المقبلة. وتشير الاستطلاعات إلى أن حزب «بهارتيا جاناتا»، وشركاءه الآخرين في التحالف، قد يحصلون على 227 مقعداً من إجمالي 564. هذا يعني أنه لا تزال هناك حاجة إلى 55 مقعداً آخر للحصول على أغلبية بسيطة في البرلمان من أجل تشكيل الحكومة المقبلة. ومن غير المرجح أن يحصل حزب «بهارتيا جاناتا» بمفرده على أغلبية في انتخابات 2014، وأن عليه إقامة روابط مع أحزاب إقليمية أخرى للحصول على أصوات أكثر. ويبدو أن هذا سيكون التحدي الأكبر للسيد «مودي»، والذي يتمثل في مغازلة وتكوين التحالفات في الوقت الذي تسعى فيه أحزاب أخرى وطنية أصغر لاستكشاف إمكانية تكوين تحالف لايضم حزب «بهارتيا جاناتا» أو حزب «المؤتمر»، ويسمى «الجبهة الثالثة». ويعقد زعماء الأحزاب الأصغر، وزعماء الأحزاب اليسارية الشيوعية، إلى جانب زعماء أحزاب في جنوب الهند، محادثات مع بعضهم بعضاً لتكوين مثل هذا التحالف، وخوض الانتخابات به. وفي حين لايزال «مودي» هو المرشح الأوفر حظاً، إلا أن أمامه مجموعة من التحديات قبل أن يتمكن من الحصول على أعلى سلطة في البلاد.