عندما أزور دولة ما أحاول في أول يوم تصفح أكثر من جريدة صادرة في ذلك البلد، فإنْ رأيت أن العناوين الأساسية في الجرائد متقاربة، تعمقت أكثر في ما تحويه هذه العناوين، فإن رأيت تطابقاً أو تقارباً في الأفكار تأكدت أن هذا البلد في خطر لأن الإعلام لايقوم بدوره المنشود، وفي المساء أتابع البرامج الإخبارية والحوارية التي تتضمنها المحطات المحلية، فإن رأيت أن فحوى تلك الأخبار متناسب مع ما تم طرحه في الجرائد، ومستوى الطرح الفكري يغلب عليه نغمة واحدة يعزفها فنانون مختلفون، تأكدت أن مستقبل هذا القطر في خطر. قد يستغرب البعض هذه المقدمة، ولماذا توجهت إلى الإعلام لمعرفة مستقبل دولة ما؟! الإعلام كما يعرفه الجميع هو السلطة الرابعة في الدول المتحضرة، هو وسيلة ترفيه بلاشك، لكن الترفيه الفكري في الإعلام يجسد لنا مستوى الشفافية في دولة ما، فإن فقدت حرية التفكير والتعبير في الإعلام، نزع عنه رداء القضاء وانضم إلى مسيرة تعرف بدايتها لكن مستقبلها لا يسطيع أحد توقعه في خضم الإعلام المنافس. الإعلام الحر له دور الضمير في الأمم، لأنه جهاز رقابة على سلطات البلد الثلاث، وهي التشريعية والتنفيذية والقضائية، الإعلام هو المتنفس الحقيقي للإنسان العربي الذي سدت في وجهه كل الأبواب، فيلجأ إلى الإعلام كي يقدم عريظته لتحل مشكلته. وكم يفرح الإنسان في دولة الإمارات وهو يتابع برامج الإذاعة التي تفتح نافذة للناس للحوار حول مجريات الأمور في حياتهم الخاصة والعامة، ليجد الإنسان ضالته في مذيع ينصت ومسؤول يستجيب. لكن الصورة ليست كذلك في كل أجهزة الإعلام العربية التي رفعت شعار «لا أريكم إلا ما أرى»، فجعلت من دغدغة المشاعر رسالة لها، وبريدها في ذلك إثارة العاطفة على حكمة العقل، وتتعامل مثل هذه الأجهزة مع الناس كأنهم أغبياء أو بلهاء، هذا ما دفع الكثير من الناس اليوم إلى الانصراف عن الإعلام المحلي في بعض الدول العربية إلى الإعلام الدولي، فكانوا كالمستجير من الرمضاء بالنار. لكن التحدي الكبير في الإعلام العربي تمثله أجهزة التواصل الجديدة التي حجمت أدوات الكذب التي كان الإعلام يرسم بها أزهى لوحة عن الدول العربية، فالمعرفة أضحت اليوم حقاً مكتسباً ومن السهل الولوج لمصادرها المختلفة، فلماذا تقهقرت الحرية في الإعلام العربي. الرقابة المفروضة على أجهزة الإعلام مهدت الطريق لإعلام فقد جودته الفكرية، لأنه تبنى رؤية واحدة للحدث، وفي الدول التي وضعت حدوداً واسعة للحرية الإعلامية أبتليت المؤسسات بقادة تنفيذيين للإعلام لعبوا دور الرقيب الداخلي الذي تحول مع الزمن إلى سد يحول بين البرامج الإعلامية والإبداع، اللذين كبتتهما ديكتاتورية التحرير كي يستمر الإعلام في المسير لكن إلى جرف خطير. لا توجد‏? ?دولة? ?في? ?العالم? ?لها? ?إعلام? ?حر? ?بنسبة? ?مئة? ?في? ?المئة? ?كلنا? ?يدرك? ?ذلك? ?، ?لكن? ?وبعد? ?الاتفاق? ?على? ?ما? ?يعرف? ?بثوابت? ?المسؤولية? ?الإعلامية? ?الوطنية? ?لابد? ?لأجهزة? ?الإعلام? ?من? ?فتح? ?قنوات? ?لحرية? ?تسمح? ?باختلاف? ?وجهات? ?النظر، ?عند? ?تناولها? ?للخبر، ?ففي? ?ذلك? ?إنماء? ?للمدركات? ?وتطوير? ?للقرارات? ?والمشروعات? .?إن? ?التفكير? ?الناقد? ?الذي? ?فقدناه? ?في? ?الكثير? ?من? ?قنوات? ?الإعلام? ?العربية? ?كان? ?أحد? ?أبرز? ?أسباب? ?الركود? ?الفكري? ?على? ?المستوى? ?الوطني? ?والقومي??، ?فهل? ?يقوم? ?إعلامنا? ?بدوره? ?الوطني? ?في? ?مرحلة? ?تاريخية? ?حرجة? ??،?وهل? ?إعلامكم? ?يخاطبكم? ?كما? ?تتوقعون? ?أم? ?أنكم? ?له? ?متجاوزون? ?وعن? ?غيره? ?تبحثون?؟