كنت في مطلع عام 2011 قد وجهت لبشار الأسد رسالة بعنوان «اقرع باب التاريخ»، ختمتها بقصة الملك الهندي «آشوكا» الذي افتتح حياته بالحرب والضرب والنكال، وختمها بتعويض القبائل التي غزاها وببناء مستشفيات للحيوانات المريضة. قلت للأسد: اعتذر لأهل حماة، عوضهم عن عشرات الآلاف من القتلى، افعل كما حدث في جنوب أفريقيا بإنشاء لجان المصالحة والتأهيل لتفصل بين أهل القتيل والمجرم، إنها فرصة بناء سوريا من جديد بالحب والتسامح. ثم خاطبته: ابن التعددية، افتح السجون والمعتقلات، اطلق حرية الصحافة، إن أرخص شيء هو العدل. وقد ذكّرني ذلك بقصة القرية والفرقاء الثلاثة، وهي قصة مليئة بالعبر، وردت في سورة الأعراف، حول قوم عاشوا على شاطئ الساحل يعيشون من الصيد، لكنهم واجهوا محنة قاتلة وابتلاءً مبيناً. إنهم يهود حُرِّم عليهم الصيد والعمل يوم السبت، لكن ما حدث أن السمك يقفز فوق المياه يوم السبت، ثم يختفي بقية الأيام. تقول السورة: «واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت، إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعاً، ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون». ما حصل ويحصل في سوريا الأسدية أيضاً لون من الابتلاء العظيم. حالة مجتمع يهيمن عليه الفساد والاستبداد. لكن فريقاً قام وقال يجب أن نتكلم وننهي هذا السوء. بينما وقفت أغلبية صامتة تقول: ما الفائدة؟ من قرروا التضحية وعدم السكوت ليسوا كثرة في العادة، لكن الفكرة واضحة عندهم؛ وهم يقومون بدور تاريخي لإنقاذ المجتمع من فساد المفسدين، فنحن كائنات بشرية اجتماعية ولسنا قططاً. أما الفريق الثالث فقال: «معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون». فماذا كانت النتيجة في مصير القرية التي انفلق أهلها ثلاثة اتجاهات، بين فاسد وساكت ومنكر؟ يحصل التحول الأول وهو عدم الاستجابة ونسيان وتناسي ما يحدث وتستمر عجلة الفساد بالدوران حيناً من الزمن، وهو ما حدث للمجتمع السوري بسكوته الطويل على قطعان الفساد. وفي مثل هذا النوع من الحالات يحصل تحول في تركيبة الناس؛ فيخرج جيل أكثره فاقداً للإحساس. تقول الآية الكريمة: «فلما عتوا عما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين». وهنا يحصل التحول كما وصفه «كافكا» في كتابه «التحول المورفولوجي»، أي تحول البشر إلى حشرات. وفي القرآن الكريم قصص كثيرة تفتح بوابات للفهم النفسي والاجتماعي. ففي قصة طالوت وجالوت يحصل الابتلاء بعبور جيش عطشان نهراً هادراً؛ فيقول لهم القائد: يحرم عليكم شرب الماء إلا من اغترف غرفة بيده. لكن الجميع شربوا إلا قليلا منهم، وبهذا القليل انتصر طالوت فقتل داوود جالوت بمرقاع، بعد أن سألوا الله: «ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا»، فهزموهم بإذن الله. كذلك يذكر القرآن محنة تعرض لها المسلمون وهم يحجون فيصادفون صيداً وفيراً تناله أيديهم ورماحهم، لكنهم يصمدون أمام الامتحان ولا يقتلون الوحوش والطيور. القرآن يبدأ في فعله مثل الإسبرين والصاد الحيوي والمسكن حينما يستخدم دواءً، ويفقد أي تأثير إذا قرئ على التوابيت وجثث الموتى؛ فهو نزل للحياة والتغيير النفسي والاجتماعي. بشار الأسد حين ولد لأمه أنيسة كان طفلا بريئاً ولم يكن شريراً قط، لكنها ثقافة الكراهية والاستبداد والغرور والشعور بامتلاك الزمان، ضداً على حركة التاريخ: «كل يوم في شان فتبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام».