هذا الأسبوع، زار اليابان، ولي عهد المملكة العربية السعودية، الأمير سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهد أبوظبي، الشيخ محمد بن زايد، في إعادة صياغة خليجية للتحالف مع الشرق. الشرق المليء بالسحر والتقنية والبشر والاقتصاد الحقيقي. استثمارات الرياض وأبوظبي في اليابان، لا تقتصر على التعاون التقني وتبادل الاستثمارات والمنافع الاقتصادية، بل تستمر لتركز على لُب التنمية، حيث بضع مئات من طلاب السعودية والإمارات، يدرسون في الجامعات اليابانية العريقة، فيما يعكس إصراراً شبابياً على التشبع بالعلوم والمعارف. المجتمع الياباني مجتمع غني، ومع ذلك لديه أسس لا يتجاوزها، من بينها الحرص على الاستمرار في التعلم حتى بعد الانتهاء من السلم الدراسي ودخول المجال العملي، وبيئة اليابان ليست بيئة اتكال بل بيئة عمل، حتى إن الأسر والعائلات رغم غناها إلا أنها ترفض الخدم والمساعدين، إذ يقوم كل فرد وكل طفل أو فتاة بفروضه وواجباته ويسعى في شأنه الذاتي والعلمي والعملي، لا يضع أعباء فروضه على عامل أجنبي، بل يقوم الياباني على شأنه من دون انتظار تدبير الخدم. هذه الخاصية على صعوبة تطبيقها لدينا، إلا أنها امتثلت باليابان بشكلٍ منقطع النظير، وساهمت في تربية الأبناء على النحو الذي نراه. لقد أبهرتنا اليابان بشكل كبير، ولعل النجاحات التي حققتها اقتصادياً تعكس جانباً من هذا الإبهار. وقد نبت هذا التميز على أساسات وركائز في مقدمها التصنيع، حتى مع شُح الموارد الطبيعية إذ تستورد المواد الخام ويتم تحويلها لمنتجات تُباع محلياً أو يتم تصديرها. الاستثمار مع اليابان مهم من خلال الشراكة المعرفية والاقتصادية، وبها نتجاوز الحالة الاستهلاكية فقط، وأن نكون مشاركين لا مستهلكين في العلاقة بين البلدين. ونجحت سياسات رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي بشكل كبير في إنعاش الاقتصاد الياباني وتطويره. باتت سياسته علامة فارقة تٌسمى «اقتصاديات آبي»، «Abenomics»، وهي سياسات تقوم على ثلاثة أسهم. الأول: فتح سيولة في الاقتصاد بالتسهيل الكمي. والثاني: رفع الإنفاق الحكومي وخلق فُرص عمل. والسهم الثالث: يركز على إصلاحات اقتصادية تحافظ على النمو. اليابان أكبر نموذج مذهل في الشرق، وهي دولة مسالمة تسعى إلى السلام مع العالم، لأنها أكثر دولة ذاقت مرارة الحرب وحماقاتها، وهذا الذي يجعلها تؤيد الحوار بين الأطراف بسوريا، وتنشر خطابات الحوار والتلاقح المعرفي بين الشرق والشرق الأوسط والغرب، وعلى حد تعبير الأمير سلمان فإن نموذج اليابان حطّم أسطورة الانفصال بين الشرق والغرب، بدليل أن ثقافة اليابان ونظامها الرأسمالي نسخة معدلة ومتطورة عن النموذج الأميركي. اليابان بلد السلام والتطور والمعرفة، وتستحق أن تكون كذلك بعد رحلة 68 سنة من النمو الاستثنائي الخارق.