ثارت ضجة بعد رفض المحكمة الدستورية الكويتية طعناً تقدم به أحد المحامين بعدم دستورية مادة عقابية تجرّم العيب في الذات الأميرية، كونها تناقض مبدأ حرية الرأي الذي يكفله الدستور. والمادة المذكورة تقرر عقوبة الحبس لمن يطعن علناً في حقوق الأمير وسلطته، أو يعيب في ذاته، أو يتطاول على مسند الإمارة. ورأت المحكمة أنه لا أساس للادعاء بوجود تناقض بين التجريم وبين حرية الرأي، وأنه لا يمكن اعتبار الأمير، الذي هو في أعلى منصب في البلاد، مثل أي فرد آخر، وأن الفشل في حمايته يعرض وحدة البلاد واستقرارها للخطر. وأعتقد أنه من المهم مناقشة أسانيد الحكم في هذه الفترة التي كثر فيها اللغط، وأصبحنا نعيش في حالة من الالتباس، وكلما كنا أكثر وضوحاً صرنا أقرب إلى باب الخروج. بدايةً نحن نعرف أن كل فرد منّا يتمتع بحماية قانونية ضد خدش اعتباره أو شرفه، أو إسناد أمور إليه تجعله محلًا للعقاب أو للازدراء، حتى لو كان من تعرض له لم يقل سوى الحقيقة، فمن يقول لشخص يواصل الليل بالنهار نائماً «يا تنبل»، فإنه يؤثم بجرم السب، ومن يصف شخصاً بالمزوّر، فإنه يحق لهذا الشخص ملاحقته جزائياً ومطالبته بالتعويض الأدبي، حتى لو كان قد أُدين بالتزوير، ومن ثم لا يمكن التحجّج بحرية الرأي لتوجيه الإساءات، فلكل فرد «ذات» مصانة من المسّ بها، أو حتى قول الحقيقة في مواجهة تلك «الذات» بقصد إهانتها. وإذا كانت القوانين تبيح نقد طريقة أداء الموظف العام لواجبات وظيفته، فإنه يُشترط أن يصدر ذلك بحسن نية ومع الاعتقاد بصحة الوقائع المنسوبة للموظف، وأن يكون اعتقاده قائماً على أسباب معقولة، وأن يكون ذلك بقصد خدمة المصلحة العامة لا بقصد التشهير أو التجريح، وألا يمسّ شخص الموظف (ذاته) أو حياته الخاصة. هذا ونحن نتحدث عن نقد أعمال أي موظف عام، حتى لو كان موظفاً صغيراً. وأما في أن الأمير ليس مثل أي فرد آخر، فالمقصود برأيي أنه ليس كسائر الناس من حيث أنه في أعلى منصب في البلاد وليس من أي حيثية أخرى، فالحاكم الخليجي هو ولي الأمر شرعاً، وهو إلى ذلك شيخ القبيلة التي ينتمي إليها، والتي كانت على الدوام القبيلة التي تنضوي تحتها بقية القبائل، وهو رب الأسرة الكبيرة، وهو بهذه الاعتبارات، ليس الرجل الأول في مؤسسة الحكم فحسب، وإنما لمكانته السياسية أبعاد شرعية، وقبلية، واجتماعية. فالرئيس الأميركي لا يعد شيخ قبيلة، ولا هو ولي أمر الأمة الأميركية، بل يصعب القول إنه رب حتى لأسرته الصغيرة، بالمفهوم الذي نعنيه نحن لرب الأسرة الذي يأمر وينهي ويفرض الشرع والعرف على أفراد أسرته السمع والطاعة له. أما بالنسبة للممالك الغربية، فإن العلاقة بين الملك والشعب لا ترقى إلى مصاف العلاقة بين الوالد وابنه في البيوت العربية، أو ولي الأمر برعيته في الحضارة الإسلامية. وبمقتضى تلك الاعتبارات، يمكن تصوّر أن الفشل في حماية هيبة الحاكم قد يعرّض البلاد للخطر، فالسفينة تبدأ في الارتطام بأمواج التفتت متى ما سقطت هيبة ربّانها، فيأخذ كل فرد فيها بالتصرّف وفق هواه دون مراعاة المصلحة العليا للسفينة. صحيح أنه أولى بالربّان أن يحرص على هيبته بالإدارة الرشيدة، لكن في المقابل على طاقم السفينة توقير ربّانها ما دام لم يبدر منه ما من شأنه خرق السفينة وتوجيه دفّتها نحو الصخور وإغراق الجميع.