منذ أن وقِّعت معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، كشفت المخابرات المصرية قضايا تجسس عديدة لصالح «الموساد» أي المخابرات العامة الإسرائيلية. والسؤال هو: ما الذي يدعو إسرائيل إلى التجسس على دولة جارة استقرت معها علاقات السلام لأكثر من ثلاثين عاماً؟ الإجابة على هذا السؤال تتطلب فحص ملابسات قضية التجسس التي أميط عنها اللثام الأسبوع الماضي، لنكتشف الأهداف الإسرائيلية من هذا النشاط الإجرامي. لنبدأ أولا بشخصيات المتهمين في القضية، هناك اثنان إسرائيليان وهما ضابطان من «الموساد» توليا تجنيد وتشغيل العميلين المصريين، وهناك رمزي الشبيني مصري الجنسية يعمل نقاشاً وخطيبته سحر سلامة وتعمل صحافية بصحيفة محلية في إحدى المحافظات وغير مسجلة بنقابة الصحفيين المصرية. إن انشغال «الموساد» بتجنيد عملاء من هذه الشريحة الاجتماعية البسيطة يعني الاهتمام بمعرفة ما يدور في عمق المجتمع على المستوى الشعبي من ناحية، كما يدل على إدراك «الموساد» أن الشرائح الاجتماعية البسيطة لديها القدرة على اختراق أجهزة الجيش والشرطة من أسفل. وإذا نظرنا ثانياً في التكليفات التي تلقاها العميلان من ضابطي «الموساد» فسنجدها تتركز في مجالين: الجيش وإجراءات التجنيد والمشروعات التي يمتلكها من فنادق ومصانع حربية ومؤسسات صناعية وزراعية وعن عقود التسليح وعقود تطوير السلاح الروسي مع روسيا. أما المجال الثاني فهو الشعب، حيث طلب «الموساد» تقارير عن اتجاهات الرأي العام المصري وعن التيارات الفكرية والسياسية لدى القوى والأحزاب والمجموعات المختلفة وموقفها من إسرائيل والقضايا الداخلية. إن هذه التكليفات تعني اهتمام «الموساد» بمتابعة قوة الجيش المصري ومعرفة مؤسساته ورصد تحركاته، كما تعني اهتمامه بالقوى الشعبية واتجاهاتها. سنلاحظ هنا أن النقاش وخطيبته نجحا في جمع المعلومات المطلوبة عن طريق العلاقات الساخنة التي أقامتها الخطيبة مع أمناء الشرطة وجنود الجيش، حيث كانت تدعوهم إلى بيتها لتستخلص منهم المعلومات المطلوبة في إطار العلاقة الشخصية دون أن يدري أي واحد منهم أنه يتحدث إلى جاسوسة مكلفة باصطياده وجمع المعلومات منه، وهذا ما أكدته تحقيقات النيابة المصرية في القضية. وفي ضوء هذه الصورة يمكننا الإجابة على السؤال الخاص بأهداف التجسس الإسرائيلي على مصر في زمن السلم. إن الإجابة في تقديري، تبتعد تماماً عن النوايا الحسنة مثل رغبة إسرائيل في الاطمئنان على أن المصريين جيشاً وشعباً يحترمون معاهدة السلام، إنها تتعلق برغبة إسرائيل في إضعاف الدولة المصرية وجمع المعلومات اللازمة لتوظيفها في هذا الاتجاه. أعتقد جازماً أن المعلومات تستخدم وتوظف من جانب المخابرات الإسرائيلية في أعمال خفية داخل مصر لإذكاء الفتن وتعميق الصراعات وتعزيز التيارات الهدامة سواء ارتدت مسوح الفكر الديني أو العلماني. إن مصر الضعيفة خصم مباشر من قوة الأمة العربية وإضافة صريحة لقوة إسرائيل. أضف إلى ذلك أن أطماع التوسع الإسرائيلي في سيناء ما زالت كامنة في العقل الجمعي الإسرائيلي، ومن المفيد لإسرائيل أن تكون مصر ضعيفة لتبقى فريسة سهلة إذا قررت هذه الأطماع الإسرائيلية أن تتمدد مرة أخرى في سيناء.