في ثمانينيات القرن التاسع عشر قررت الحكومة الأميركية تعيين قنصل لها في بغداد، ثم سرعان ما أصبح العراق يحتل مكانة متقدمة في السياسة الشرق أوسطية للولايات المتحدة. لذلك يمثل كتاب «العراق في السياسة الأميركية المعاصرة 1980-2003»، لمؤلفه الدكتور عادل محمد حسين العليان، محاولة مهمة لتوضيح موقع العراق في الإستراتيجية الأميركية المعاصرة، ابتداء من أواخر القرن التاسع عشر وحتى مطلع القرن الحادي والعشرين. فقد أظهرت الولايات المتحدة اهتماماً واضحاً بالعراق منذ عام 1889 حين عينت أول قنصل لها في بغداد، ثم فتحت الإرسالية التبشيرية الأميركية أول مركز لها في البصرة عام1891، لتعين واشنطن قنصلا لها في البصرة عقب الاحتلال البريطاني للمدينة عام 1914. وقبل ذلك حاولت الولايات المتحدة في عام 1908 نيل امتيازات خاصة في نفط الموصل، وواصلت محاولاتها بعد الحرب العالمية الأولى عبر «شركة إنماء الشرق الأدنى» ثم من خلال «شركة نفط العراق». بيد أن النفوذ الأميركي في العراق ظل حتى عام 1920 قاصراً عن منافسة بريطانيا التي نالت «حق» الانتداب عليه في مؤتمر الصلح بباريس عام 1919، رغم معارضة واشنطن التي طالب رئيسها ويلسون بضمان حق الشعب العراقي ومعرفة رغباته. لذلك فرغم إعلان العراق ككيان سياسي في عام 1920، فإن الولايات المتحدة لم تعترف به إلا في عام 1930، حيث أنشأت بعد سنتين من ذلك التاريخ مفوضية لها في بغداد، كما أنشأت عدة مؤسسات تعليمية. إلا أن موقف السياسة الأميركية المنافس لبريطانيا في العراق، يقول المؤلف، تحول خلال الحرب العالمية الثانية إلى موقف مساند ومؤيد، فعقب تقدم الجيوش الألمانية في أوروبا، شعر الأميركيون بالقلق على مصالحهم في العراق، فقرروا دعم الوجود البريطاني هناك، وهكذا ساهموا في إنشاء وصيانة الطرق والموانئ في المنطقة الممتدة بين بغداد والهند، وبين البصرة وطهران، كما أقاموا قواعد جوية في الشعيبة والحبانية. وفي أواسط الخمسينيات شجعت الولايات المتحدة على إنشاء حلف بغداد لمواجهة المد القومي بقيادة عبدالناصر. لكن ثورة 14 تموز 1958، أخرجت العراق من حلف بغداد وكانت «مفاجأة عنيفة للولايات المتحدة»، ثم تزايدت عوامل الخصومة بين بغداد وواشنطن نتيجة التحالف الأميركي الإيراني. لكن المؤلف يذكر أن الستينيات شهدت محاولات لفتح صفحة جديدة في العلاقات الأميركية العراقية، بما في ذلك مفاوضات السلع الزراعية عام 1966، والزيارة الرسمية لرئيس الحكومة العراقية عبد الرحمن البزاز إلى الولايات المتحدة في العام نفسه. بيد أن حرب يونيو 1967 جعلت العراق يقطع علاقاته مع الولايات المتحدة ويهدد باستخدام سلاح النفط. ثم أقدم في عام 1972 على تأميم نفطه، الأمر الذي اعتبرته الولايات المتحدة «خطراً يهدد المصالح الأميركية الحيوية»، فلخصت مخاوفها في «مبدأ كارتر» الذي رأى أن «أي محاولة تستهدف السيطرة على منطقة الخليج تعد اعتداءً على المصالح الحيوية للولايات المتحدة، وستقوم بالرد عليها بشتى الوسائل المتوافرة». وأضحت العلاقات العراقية الأميركية منذ نهاية السبعينيات نموذجاً للمسرح المتقلب والعاكس لتغيرات النظامين الإقليمي والدولي؛ إذ تأثرت بأحداث مهمة مثل الثورة الإيرانية عام 1979، والحرب العراقية الإيرانية (1980 -1988)، والغزو العراقي للكويت عام 1990، وحرب الخليج الثانية عام 1991، وأحداث 11 سبتمبر 2001، وصولا إلى الغزو الأميركي عام 2003 والذي نتج عنه سقوط لنظام صدام حسين. وعلى العموم، كما يوضح الكتاب، فقد تأثرت العلاقات العراقية الأميركية بالتحولات الإقليمية، وبانتقال النظام الدولي من الحرب الباردة إلى القطبية الأحادية، وبعوامل ذاتية متمثلة في شخصية صدام حسين وطموحاته الخاصة، وبمواقف إدارات أميركية تعاقبت على البيت الأبيض خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين والسنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين. وأدت محصلة التفاعل بين تلك العوامل والمتغيرات مجتمعة إلى غزو العراق واحتلاله في عام 2003 من جانب الولايات المتحدة، وما نتج عن ذلك من خسائر بشرية ومادية هائلة في بلاد الرافدين، كان من أشدها خطراً إسقاط الدولة العراقية ممثلة في مؤسساتها الرئيسية، وما صاحب ذلك من سياسات طائفية أوجدت البيئة والأسباب الكافية لإذكاء الحرب الأهلية في العراق. محمد ولد المنى الكتاب: العراق في السياسة الأميركية المعاصرة 1980-2003 المؤلف: د. عادل محمد حسين العليان تاريخ النشر: 2014