لم يمر وقت طويل منذ أن حذّرنا قبل أقل من شهرين في هذه المساحة من خطورة التعامل بالعملة الشبح المسماه بـ"بيتكوين" حتى فقد العديد من المتعاملين خلال الآونة الأخيرة كامل أموالهم بعد أن استحوذ عليها قراصنة الإنترنت، على اعتبار أنه لا وجود مادي لهذه العملة، والتي يتم إصدارها وتداولها من خلال الشبكة العنكبوتية فقط. ولم يقتصر الأمر على تعاملات الأفراد فحسب، وإنما انهار بنك "فلكسكوين" الكندي بشكل كامل بعد أن تمت سرقة مخزونه من عملة "بيتكوين"، حيث أعلن البنك عن وقف نشاطه بعد أن سرقت عملته الإلكترونية بالكامل، كما أشهرت مؤسسة "ماونت جوكس" اليابانية، وهي أكبر بورصة للبيتكوين إفلاسها، وذلك بعد خسارة كامل رصيدها بعد عملية قرصنة بمبلغ 63.7 مليون دولار. ومع ذلك لا زال هناك من يتداول في هذه العملة، التي تبلغ القيمة الإجمالية لوحداتها في الوقت الحاضر 7 مليارات دولار يشجعهم في ذلك الارتفاع الجنوني في قيمتها والتي بلغت مؤخراً 660 دولارا للقطعة الواحدة متضاعفة عدة مرات في فترة زمنية قصيرة، مما أدى إلى اجتذاب أعداد من الباحثين عن الربح السريع، ولكنهم المخاطرون بضياع كامل مدخراتهم في الوقت نفسه. ومع أن هذا النوع من التداول لم يصبح ظاهرة في بلدان المنطقة، إلا أن هناك من يحاول اختراق الأسواق المحلية في منطقة الخليج العربي الثرية، والتي يمكن للكثير من الأفراد فيها المخاطرة بجزء من ثرواتهم، إما للبحث عن الربح السريع وإما للتسلية التي يمكن أن تنتهي بخسائر كبيرة، مثلما حدث في كندا واليابان. وفي الوقت الذي اتخذت فيه العديد من البلدان إجراءات عملية لوقف التعامل بعملة "البتكوين" أو الحد منها، فإن البنوك المركزية وشركات الاتصالات في المنطقة لا زالت لم تحدد موقفاً أو تتخذ أية إجراءات حمائية لتجنب الأضرار التي يمكن أن تلحق بالمتعاملين بهذه العملة الوهمية. وفيما يخص البنوك المركزية والمؤسسات المالية، فإنه لابد من اتخاذ خطوات عملية وتنبيه المتعاملين والمستثمرين للمخاطر المحدقة، وبالأخص من قبل الأفراد والمؤسسات الأجنبية التي تحاول استغلال توفر السيولة ومستويات المعيشة المرتفعة في بلدان المنطقة. أما شركات الاتصالات، التي تدير شبكات الإنترنت، فإن عليها إغلاق مواقع التعامل بعملة "البيتكوين" لحماية المتعاملين، مثلما عملت كندا بعد عمليات الاحتيال التي تعرضت لها، خصوصاًوأن عدداً كبيراً منهم يجهل تفاصيل هذا النوع من التعاملات النقدية والمالية ناظراً بعين واحدة إلى الإغراءات الكبير، ومتناسياً الأخطار التي يمكن أن تتعرض لها أمواله. وتشبه هذه العملية إلى حد كبير شركات توظيف الأموال في بلدان المنطقة، والتي انتشرت في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي والتي فقد بسببها آلاف المستثمرين مدخراتهم، حيث كانت تمنحهم أرباحاً وهمية عالية من استثماراتهم، مما أدى في نهاية الأمر إلى هروب المسؤولين عن هذه الشركات والمحسوب بعضهم على جماعة "الإخوان المسلمين"، مستغلين الدين الحنيف بادعائهم بأن معاملاتهم بعيدة عن الربا، كما أشاعوا في ذلك الوقت. أساليب عمليات الاحتيال تختلف هذه المرة، إذ إنها تكتسي طابعاً عالمياً أوسع وبأدوات تقنية حديثة تتناسب وعصر العولمة والإنترنت، ومن خلال شبكات دولية تتداخل فيها عمليات غسيل الأموال وتجارة المخدرات والسوق السوداء. وإذا كانت مراقبة ومحاسبة شركات توظيف الأموال في القرن الماضي متاحة وأمكن محاكمة العديد من رموزها، ولكن للأسف دون استرجاع أموال المستثمرين، فإن التعاملات الوهمية والتلاعب، في الوقت الراهن، بعيدة عن المحاسبة بسبب إدارة الأشباح لهذه العمليات، بدليل ضياع وإفلاس مؤسسات وبنوك في البلدان التي أشرنا إليها. سرعة التحرك وحماية الأسواق الداخلية والمستثمرين مطلوبة من خلال الإجراءات التي أشرنا إليها آنفا، والتي يمكن أن تسد الثغرات وتحمي الأسواق والمتعاملين من الاستغلال والقرصنة والتي اتضحت ظاهرة ملازمة للتعاملات النقدية والمالية، وذلك على الرغم من الاحتياطات الأمنية التي تتخذها البنوك والمؤسسات المالية لحماية زبائنها.