أصبح من الواضح أن مطالبة نتنياهو للسلطة الفلسطينية في إطار المفاوضات الجارية بالاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية هي مجرد خطوة أولى من ثلاث، ذلك أنه إذا وافق الفلسطينيون على هذا المطلب فإن الخطوة الثانية ستكون مطالبتهم بالتخلي تماماً عن فكرة عودة اللاجئين ولو بشكل رمزي إلى أراضيهم ودورهم داخل إسرائيل. أما الخطوة الثالثة فستكون مطالبتهم بالموافقة على اقتراح وزير الخارجية أفيجدور ليبرمان بأن يتضمن مبدأ تبادل الأراضي بين إسرائيل والضفة الغربية التي ستصبح الدولة الفلسطينية نقل منطقة المثلث ووادي عاره بسكانها العرب إلى سيادة الدولة الفلسطينية. إن تلك الخطوات الثلاث مجتمعة تهدف إلى التخلص من عرب 1948 الذين ظلوا صامدين داخل وطنهم رغم كل المجازر والمضايقات والمعاملة العنصرية، صحيح أن منطقة المثلث لا تضم جميع العرب الباقين داخل إسرائيل، ولكن تحقق خطوة تبادل الأراضي على هذا النحو سيجعل من العرب أقلية متضائلة داخل إسرائيل بحيث ينفتح الطريق إلى الخطوة الرابعة التي لم تذكر بعد. إن هذه الخطوة ستكون اقتراح الترانسفير على البقية الباقية من العرب، وسيصاحب الاقتراح مزيج من وسائل الترغيب والترهيب. أتوقع بعد ذلك أن ترتفع أصوات إسرائيلية تطالب بسن قوانين وتشريعات تضيق على حياة البقية الباقية من العرب في المعاش وفي الحركة والعمل لإحكام دائرة ترهيبهم، وفي الوقت نفسه ستطرح إغراءات لكل من ينتقل طواعية من داخل أراضي عام 1948 إلى الدولة الفلسطينية. لقد أشرت في المقال السابق إلى نبوءة الأديب الإسرائيلي «عاموس كينان» حول طرد العرب بالقوة من جانب قوات اليمين الإسرائيلي. وجاءت تلك النبوءة في إطار رواية كتبها عام 1984 بعنوان «الطريق إلى عين حارود»، وذلك مع بداية صعود اليمين إلى الحكم في إسرائيل. وقد تخيل «كينان» في روايته، وبناءً على فهمه لأيديولوجية اليمين ومقاصده، أن الجنرالات اليمينيين سيقومون بانقلاب عسكري دموي لإبادة اليساريين اليهود المعتدلين، ثم بعد ذلك يقومون بطرد العرب كلية من داخل إسرائيل. اليوم، وبعد مضي ثلاثين عاماً على تلك النبوءة الأدبية، يظهر اسم «كينان» مرة أخرى في سياق التحضير لخطوة التخلص من سكان المثلث، لكن بقفاز قانوني حريري يخفي القبضة الحديدية. لقد طلب ليبرمان من المستشار القانوني لوزارة الخارجية، «إيهود كينان»، وهو غير الأديب «عاموس كينان»، رأيه حول مدى توافق نقل منطقة المثلث إلى السلطة الفلسطينية، وفي نهاية الأسبوع الماضي أعلن المستشار القانوني رأيه حول الخطوة المذكورة، قائلا بأنها لا تتعارض مع القانون الدولي طالما أن الدولة الفلسطينية ستعلن موافقتها على نقل الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة بسكانها اليهود المستوطنين إلى سيادة إسرائيل، مقابل نقل منطقة المثلث بسكانها إلى سيادة الدولة الفلسطينية. أرجو أن ينتبه كل من يعتبر مطلب الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية مجرد مطلب معنوي إلى تداعيات هذا المطلب تاريخياً وجغرافياً وسكانياً وحقوقياً، على القضية الفلسطينية.