يظن من يتابع تصدر المرأة تحركات جماعة «الإخوان» الميدانية اليوم أن تغييراً كبيراً حدث في توجهات هذه الجماعة التي لم تعترف أبداً بالمساواة بين المواطنين. غير أن هذا الظن لا يلبث أن يتبدد عندما نعلم أن ما يحدث ليس إلا توظيفاً اضطرارياً من جانب قيادة الجماعة لقسمي «الأخوات» و«الزهرات» في معركة تصر على مواصلتها. وما هذا التوظيف إلا صورة جديدة من صور الاستغلال الذكوري الذي يمارسه قادة «الجماعة» منذ أن فطن مؤسسها حسن البنا إلى أن زوجات الأعضاء وبناتهن وأخواتهن وبعض صديقاتهن يمثلن رصيداً كبيراً يمكن توظيفه بدون إشراكهن في أي من مستوياتها القيادية سواء العامة أو المحلية. ربما لم يدر في خلد حسن البنا، حين أرسى الأساس لوجود قسم نسائي مواز للتنظيم «الرجالي»، أن يبلغ دور «الأخوات» المستوى الذي بلغه الآن. وربما لم يتخيل مشاهد «الأخوات» و«الزهرات» يحملن العصي خلال بعض «تظاهرات» الجماعة، أو يقطعن الطريق أمام جامعة الأزهر وبالقرب منها، أو يعتدين على مدرساتهن في بعض كليات الجامعة بالضرب، أو يحطمن أبواب وزجاج مبان فيها. فلم يتجاوز دور «الأخوات» في عهد البنا وحتى اغتياله في فبراير 1949 العمل الاجتماعي ورعاية أسر أعضاء الجماعة الذين يُلقى القبض عليهم وتأمين الطعام والملابس لهم في السجون، ونقل الرسائل بين قادة الجماعة الهاربين من الملاحقة الأمنية في فترات الأزمة وأوقات الصدام مع سلطة الدولة، حيث تتميز المرأة بقدرة أكبر على التخفي فضلا عن أن متابعتها من جانب المخبرين السريين أصعب بسبب تقاليد المجتمع الشرقي. وعندما صدر قرار حل الجماعة للمرة الأولى عام 1948، بدأ البنا في استغلال «الأخوات» سياسياً بشكل مباشر عبر تكوين لجنة من سبع منهن للتوجه إلى قصر عابدين طالبات مقابلة ملكة البلاد للوساطة من أجل حل الأزمة. كما شملت مهمتهن زيارة وزراء الحكومة التي أصدرت قرار حل الجماعة. غير أن هذا التوظيف السياسي لـ«الأخوات» شيء واستغلالهن الآن في تحركات عنيفة ضد الدولة والمجتمع شيء آخر تماماً. فقد أصبحن وقوداً لإشعال المواجهات الميدانية التي تصر قيادة الجماعة على استمرارها في الشارع وخاصة يوم الجمعة من كل أسبوع، كلما تراجع إقبال الرجال والشباب عن المشاركة فيها. ويعني ذلك أن استغلال «الأخوات» في هذه التحركات هو الذي يتيح استمرارها رغم الانسحاب الملحوظ والمتزايد لقطاع يُعتد به من أعضاء الجماعة إما لعدم اقتناع بجدوى استمرار الصدام بلا أفق، أو لتجنب ما حدث لكثير من «إخوانهم» الذين أُلقي القبض عليهم أو أُصيبوا أو فقدوا حياتهم خلال مواجهات خاسرة بالنسبة إليهم في كل الأحوال. فقد أدت كثافة مشاركة «الأخوات»، و«الزهرات» في الجامعات وخاصة جامعة الأزهر، إلى تعويض توقف عدد متزايد من رجال الجماعة عن المشاركة في المواجهات الميدانية. والأرجح أنه لم يكن سهلا بالنسبة لقيادة الجماعة تعريض قسمي «الأخوات» و«الزهرات»، وكذلك قسم «الطلاب»، للخطر، لكن خوفها من انكشاف عجز الجماعة عن مواصلة المعركة التي تصر على خوضها يدفعها للمخاطرة بزج هذه الأقسام الثلاثة في مواطن الخطر، وللتخلي عن سياسة المحافظة عليها لتقوم بالوظائف المرسومة لها في خدمة التنظيم «الرجالي» (قسما «الأخوات» و«الزهرات») وإمداده بالأعضاء الجدد وتأهيلهم (قسم الطلاب). ومع ذلك، فقد حدث التحول في وظيفة قسمي «الأخوات» و«الزهرات»، أو بالأحرى استغلالهما في تحركات ميدانية تتسم عادة بالعنف، بسهولة تستلفت الانتباه. فقد أقبلن على المشاركة في هذه التحركات بمعدلات مرتفعة رغم الأخطار التي تنطوي عليها، وأبدين قدرة ملحوظة على أداء وظيفتهن الجديدة وكأنهن قد تمرسن فيها لفترة طويلة رغم أنها المرة الأولى التي يُزج بهن لأدائها. ويمكن تفسير ذلك بعاملين. أولهما الروابط الأسرية، لأن الكثير من عضوات القسمين، إن لم يكن معظمهن، تربطهن بأعضاء الجماعة روابط أسرية. لذلك فعندما تصاعد الصدام وأُلقي القبض على معظم قادة الجماعة ومسؤوليها على المستويين المركزي والمحلي، وأكثر من عشرة آلاف عضو في مستوياتها وأقسامها المختلفة، كان سهلا استغلال غضب زوجاتهن وبناتهن وشقيقاتهن وخلق تعبئة شاملة في أوساطهن تقوم على إعادة صنع حالة مظلومية أجادت قيادات الجماعة المتوالية صناعتها في فترات الصدام للزعم بأنها تخوض معركة الإسلام الخالدة في مواجهة «أعدائه». أما العامل الثاني الذي يُيّسر تحويل وظيفة هذين القسمين النسائيين لاستغلالهما في استمرار الصدام وإشعال مواجهاته، فهو التسييس التدريجي الذي حدث لهما منذ أن قررت قيادة «الجماعة» استخدامهما لخدمة مرشحيها في الانتخابات البرلمانية، واستبقت ذلك بإصدار بيان «المرأة المسلمة في المجتمع المسلم» عام 1994. فقد تضمن ذلك البيان أول إقرار من جانب «الإخوان» بمشاركة المرأة في الانتخاب والترشح للمجالس النيابية وما يماثلها وتولي الوظائف العامة، استناداً إلى إعادة تأويل نصوص دينية سبق أن استخدموها لتبرير رفضهم هذه المشاركة. وقد أظهر ذلك البيان مدى استعداد قيادة «الإخوان» لتبديل مبادئها من أجل أهداف سياسية، إذ نص صراحة على أنه «عندما تنص قوانين الانتخابات على إطلاق حق المرأة في المشاركة في الانتخابات، فإن إحجام المرأة المسلمة عن هذه المشاركة يُضعف فرص فوز المرشحين الإسلاميين». وبدأ عمل «الأخوات» في هذا المجال منذ انتخابات 1995 البرلمانية، اعتماداً على حملات طرق الأبواب وزيارة النساء في منازلهن لإقناعهن باستخراج بطاقات الانتخاب (قبل أن يصبح الاقتراع ببطاقة الرقم القومي عام 2011)، والتأثير على أزواجهن لاختيار مرشحي الجماعة، وصولا إلى حشد النساء للذهاب إلى لجان الاقتراع. وقد أدين هذه الوظيفة بدرجة عالية من الحماس والإتقان. ومازال عالقاً في الأذهان مشهد «الأخت» التي حاولت تسلق سور إحدى لجان الاقتراع لتدخل من شباكها الخلفي عندما أغلقت قوات الأمن باب الدخول إليها في انتخابات 2005. فكان إقحام «الأخوات» و«الزهرات» في العمل الانتخابي بكثافة بداية مرحلة ثانية في تاريخ تنظيميهن اللذين صارا مهيئين ومؤهلين من الناحية الحركية للتحول الذي حدث لهما عبر الزج بأعضائهن في أتون معارك شوارع وجامعات لتعويض انصراف كثير من أعضاء التنظيم «الرجالي» عن هذه المعارك.