لا أحد في كندا، عدا أشد المناوئين لاستخراج النفط الرملي، يتجرأ على استخدام كلمة «القار» لوصف تلك العملية، إذ تبقى العبارة المفضلة لدى الحكومة والصناعات المعنية هي «الرمال النفطية»، ولا يهم هنا أن النفط الذي يتم استخراجه من ثالث أكبر احتياطي في العالم هو في الحقيقة نوع من القار الذي يشبه في سمكه زبدة الفستق ويحتاج للتخفيف من كثافته لوقود أحفوري آخر يستخدم ليجعل من ذلك القار سائلاً قابلاً للتدفق. ولا يهم أيضاً، حسب الحكومة والمدافعين عن الصناعة، أن تحويل القار إلى وقود قابل للاستهلاك هو عملية ملوثة للغاية، حتى بمقاييس الصناعة النفطية نفسها، لكن مع ذلك كل من يستخدم كلمة «نفط القار» يجازف بتعريض نفسه لألقاب ونعوت سلبية. ولعل الجهد اللغوي المبذول لإخفاء حقيقة الأمور وتجميلها، هو بحده الأدنى أوضح إشارة على احتضان الحكومة الكندية لصناعة النفط الرملي وخضوعها لرغبة الشركات المتخصصة. فبعد فترة وجيزة على توليه رئاسة الوزراء في 2006، أعلن ستيفان هاربر كندا كـ«قوة صاعدة في مجال الطاقة»، وكل ما قام به منذ ذلك الوقت صب في صالح هذا التطلع وجاء خدمة لشركات التنقيب عن نفط القار، متخلياً عن فكرة كندا العاملة لصالح البيئة والمسؤولة حيال الطبيعة والتزاماتها الدولية. ومما يدل على ذلك أنه بين عامي 2008 و2012 سجل ممثلو صناعة النفط في كندا أكبر عدد من المراسلات مع المسؤولين الحكوميين (2733 مراسلة)، وهو أكبر من أي جهد تواصلي بين الحكومة وقطاعات اقتصادية أخرى. هذه المراسلات كانت تنصب في عمومها على إقناع الحكومة بإقرار تشريعات تسهل عملية استخراج القار النفطي من جهة وتطوير خطوط الأنابيب من جهة أخرى، وفي أغلب الحالات استجابت الحكومة لتلك الطلبات، وإذا كان النقاش حول القار النفطي في الولايات المتحدة يركز على أنبوب «كيستون إكس إل» الذي يمتد 1200 ميل ويربط ولاية ألبرتا الكندية الغنية بالنفط بخليج المكسيك، فإن ما يتم تجاهله هو أن الأنبوب المذكور ليس سوى واحد ضمن 13 أنبوباً آخر يتم اقتراحها من قبل حكومة هاربر، ستمتد على مسافة تتجاوز 10 آلاف ميل لتربط المحيطين الأطلسي والهادئ. ولتحقيق هذا الغرض أقدم الحزب المحافظ الحاكم في كندا، والذي يترأسه هاربر، بعد نيله الأغلبية في الانتخابات البرلمانية عام 2011، على تمرير مشروع قانون متعدد المواضيع يلغي 70 قانوناً مدافعاً عن البيئة، بما فيها قوانين تحمي الأنهار والمصايد، والنتيجة أن أحد أنابيب نقل النفط المرتقبة يعبر عدداً كبيراً من الجداول والأنهار الصغيرة من ألبرتا حتى المحيط الهادئ. هذا بالإضافة إلى إلغاء المراجعة الحكومية لأي مشروع للتحقق من مطابقته للمعايير البيئية. ومع أن هاربر تعهد في 2006 بإصدار قوانين للحد من الغازات الدفيئة، فإنها لم ترَ النور إلى اليوم، بل ألمح مؤخراً إلى أنها قد تتأخر لبضعة سنوات. وفي غضون ذلك أصبحت كندا البلد الوحيد الذي انسحب من بروتوكول كيوتو، ملغياً بذلك اتفاقاً غير ملزم وقعت عليه الحكومة في كوبنهاجن ويدعو إلى تقليص انبعاثات الغازات الدفيئة بـ17 في المئة من مستوياتها عام 2005، على أن يتم هذا الخفض بحلول 2020. ووفقاً لتقديرات الحكومة نفسها، فهي لن تقترب حتى من هذه النسبة في الموعد المحدد. وفيما يتعلق بتأثير التغيرات المناخية على كندا فإنها باتت واضحة لا تخطئها العين، فعلى امتداد المناطق الغربية لكندا، وهي مناطق شاسعة تتجاوز مساحتها مساحة ألاسكا، سُجل ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة خلال الأربعين سنة الماضية، متسبباً في انبعاث المزيد من الغازات الدفيئة الناجمة عن ذوبان الطبقة الجليدية والجفاف الذي لحق بالأراضي السبخية، كما أن ارتفاع الحرارة أدى إلى انتشار أنواع من الحشرات تأكل أشجار الغابات التي تحولت بدورها إلى وقود للحرائق المنتشرة. والنتيجة هي انبعاث كميات كبيرة من الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وبالنظر إلى أن أشجار الغابات الشمالية تحبس كمية أكبر من غاز ثاني أكسيد الكربون مقارنة بالغابات المطيرة في المناطق الاستوائية، فإن تعرضها للحرق يعني مزيداً من الغازات الدفيئة. ولمواجهة الدعوات المطالبة بوقف هذا التردي البيئي ومراجعة مشاريع التنقيب عن القار النفطي، لم تخفِ الحكومة الكندية ازدراءها للعلماء المستقلين والجماعات المدافعة عن البيئة، حيث خفضت، وفي أحيان أخرى ألغت تماماً، الدعم المالي المرصود للمؤسسات البحثية التي تقوم بدراسة تلوث المياه وتأثير المشاريع النفطية على البيئة والصحة العامة. وفي هذا السياق فرضت الحكومة قيوداً على علمائها الذين يقدر عددهم بحوالي 23 ألف عالم وتحديداً لدى إدلائهم بتصريحات علنية، بل أوعزت إلى جهات تابعة لها بعدم نشر الأبحاث والدراسات التي لا تتفق مع سياساتها، ووصل بها الأمر إلى التضييق على الأطباء الذين يعالجون أمراض السرطان التي ثبتت صلتها بالتلوث الناتج عن استغلال القار النفطي، وحتى الدعوات المعتدلة التي تحث الحكومة على انتهاج مقاربة متوازنة من خلال تشجيع الطاقات المتجددة والابتعاد التدريجي عن الوقود الأحفوري، وُوجهت برد فعل حكومي قاس مثل إغلاقها لمبادرة «الطاولة المستديرة حول البيئة والاقتصاد» المستقلة، فقط لأنها أوصت بمقاربة تنموية متوازنة ومستدامة. جاك ليزلي كاتب أميركي متخصص في الشؤون العلمية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»