في مارس الماضي، عندما أدان مجلس الأمن كوريا الشمالية لإطلاقها صاروخين اختباريين متوسطي المدى باتجاه بحر اليابان، جاء الرد من بيونج يانج عنيفاً ويحمل تحذيراً من أن «خطوات المرحلة التصعيدية المقبلة قد بدأت، وهي التي سيصعب على العدو تخيل أبعادها». وهي تشتمل على «شكل جديد من التجارب النووية يمكنه أن يساعد على إفشال الجهود الرامية لمنع كوريا الشمالية من امتلاك القوة النووية الرادعة الخاصة بها». وعندما تساءلت مع نفسي عن المقصود بعبارة «شكل جديد من التجارب النووية»، رحت أفكّر فيما قد تعنيه خطوة بيونج يانج التالية التي تندرج ضمن تطوير برنامجها لحيازة ترسانة من الأسلحة النووية. وربما تعمد كوريا الشمالية لتجربة رأس نووي متطور باستخدام يورانيوم ذي درجة تخصيب عالية جداً (هذا إن لم تكن قد نجحت في ذلك بالفعل)، أو أن تطلق العنان لمرحلة إنتاج أسلحة نووية تكتيكية، أو ربما تعمل الآن على إنتاج وقود نووي حراري يمكن استخدامه لنشر سعير ناري وحرائق مهولة على أوسع نطاق. ويغلب على الظن بأن هذه الأسلحة الفتاكة تمثل الهدف النهائي للكوريين الشماليين رغم صعوبة اكتشاف الأهداف الحقيقية المُضمرة التي تسعى بيونج يانج لتحقيقها على المديين القريب والبعيد فيما يتعلق بتعزيز ترسانتها النووية. ويوحي النص المختصر للنسخة الكورية الأصلية من هذا التصريح، بأن هناك شيئاً ما جديداً وغير مسبوق فيما يتعلق «بطريقة» إجراء كوريا الشمالية لتجاربها النووية، وليس فيما يتعلق بنوعية الأسلحة التي تقوم باختبارها. وبعد متابعة هذا الالتباس اللفظي مع عدد من المعلقين الكوريين، بدا لي وكأن هذه العبارة تتعلق بشكل جديد من التجارب النووية، لكنها قد ترمي في الوقت نفسه للإشارة إلى اختبار سلاح نووي جديد. وقالت كوريا الشمالية إن من العسير على أي إنسان أن يتخيّل طبيعة هذا التطور الجديد، إلا أني أعتقد أن بوسعنا محاولة التكهن به على أقل تقدير. ويكمن أبسط تفسير لهذا اللغط اللفظي في أن كوريا الشمالية قد تقوم بتفجير متزامن لقنبلتين نوويتين أو أكثر. وقد دأبت معظم الدول النووية على استخدام «تجارب الصليات النووية المتزامنة» من أجل اختبار عدد أكبر من القنابل الذرية في أقل فترة زمنية ممكنة. وعادة ما يتم إجراء هذه الاختبارات في مناطق نائية. ولابدّ أن تكون هذه المناطق بعيدة جداً لأن التفجير المتزامن للقنابل الذرية يسبب تغيرات فجائية كبيرة في حالة الجوّ. ولهذا السبب، تكون فكرة إجراء اختبار لقنبلتين معاً بدلا من اختبار قنبلة منفردة (وربما ثلاث أو أربع أو حتى خمس)، أكثر زخماً وأوقع صدى رغم أن ذلك يزيد من التعقيدات التقنية للتجارب ويجعل القياسات أكثر صعوبة. ولإجراء تجارب التفجيرات النووية تحت الأرض، تم تطوير تكنولوجيا خاصة لاختبارات التفجيرات المتزامنة. وتضمن هذه الطريقة توفير خطوات أساسية متعددة في وقت واحد بالمقارنة مع طريقة تفجير القنابل المنفردة. وقد تم تطوير هذه الطريقة في كل من الاتحاد السوفييتي السابق والولايات المتحدة، إلا أن الاتحاد السوفييتي اكتسب خبرة أوسع في هذا المجال، ربما بسبب الظروف المناخية القاسية في مناطق إجراء التجارب النووية وضعف الإمكانات المالية واللوجستية. وأجرى الاتحاد السوفييتي 146 تجربة تفجير متزامن لنحو 400 قنبلة ذرية، فيما بلغ عدد تجارب التفجيرات المتزامنة في الولايات المتحدة 63، تم خلالها تفجير 158 قنبلة ذرية. ويمثل ضعف الإمكانيات المالية واللوجستية والعوامل المناخية سبباً لدفع بيونج يانج لاتباع هذه الطريقة في اختبار أسلحتها النووية. خاصة لأن موقع الاختبارات النووية لكوريا الشمالية يتميز بطقس عاصف شديد الاضطراب في الشتاء تعقبه سيول جارفة في الربيع. وهذا ما يتطابق مع فرضيّتي من أن الأنفاق التي يقوم بحفرها الكوريون الشماليون في إقليم «بونجي» Punggye مخصصة لإجراء تجارب نووية أكثر قوة من تلك التي قاموا بإجرائها حتى الآن. وفي 28 مارس الماضي لمّحت كوريا الشمالية إلى تبنّي مثل هذا الإجراء، وحذّرت من أن على الولايات المتحدة أن تتوقع منها إجراءات وجهوداً تصعيدية متواصلة إن هي حاولت التصدي لبرنامج تطوير قوة «الردع العسكرية» لبيونج يانج. ويوحي هذا التصريح بأن علينا أن نتوقع منها المزيد من عمليات اختبار الصواريخ والتجارب النووية في السنوات المقبلة. وهناك أيضاً احتمالات أخرى. فقد كان مما يثير الانتباه أن كوريا الشمالية أجرت تجاربها النووية الأخيرة في أنفاق محفورة على امتداد أفقي داخل جبال تحيط بموقع التفجير. ولابدّ أن يكون حجم القنابل التي يمكن لكوريا الشمالية اختبارها في مثل هذه الأنفاق محدوداً بحسب الحجم المتواضع للجبل ذاته من جهة، وللنتائج التدميرية المتواضعة للجبل بعد إتمام التجربة. وتؤكد المعطيات والحسابات المستقاة من نتائج التفجيرات أن الموقع لا يمكنه أن يتحمل تفجيرات تزيد قوتها عما يكافئ بضع عشرات ألوف الأطنان من مادة «تي إن تي». وهذا يعني أن التجارب النووية الأضخم تحتاج إلى شق أنفاق أعمق بكثير في باطن الأرض إذا كان يراد منها اختبار تفجيرات من مرتبة بضع مئات ألوف الأطنان من مادة «تي إن تي». ويمكن إجراء التجارب النووية على أعماق أكبر. ففي عام 1971، مثلا، أجرت الولايات المتحدة في آلاسكا تفجيراً قوته 5 ملايين طن من مادة «تي إن تي» في نفق يقع على عمق 1860 متراً تحت سطح الأرض. ويتحتم على كوريا الشمالية إجراء اختبارات للوقوف على مدى تأثير التجارب النووية على المناخ، خاصة وأن التجارب النووية التي يتم إجراؤها تحت الأرض يمكنها أن تطلق النشاطات الإشعاعية النووية الخطيرة في الجو. وسبق أن تعرضت الولايات المتحدة ذاتها لمثل هذا الخطر عام 1970 بعد إجراء تجربة تفجير نووي في «بينبيري». جيفري لويس مدير برنامج شرق آسيا لمنع انتشار الأسلحة النووية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»