يوهم نفسه من يعتقد أن وضع جماعة «الإخوان المسلمين» في العالم كله بقي على حاله أو أنه في وضع أفضل بعد عهد ما يسمى «الربيع العربي» الذي كشف الأقنعة عن حقيقة الكثير من الأوجه. فقد رأينا منهم «السياسة» كما عرفها ميكافيلي ولم نر الإسلام كما يدعون. صحيح أن ملف «الإخوان» لم يغلق بالكامل حتى الآن بما فيه مصر (موطئ قدمهم)، لكنه يسير نحو التضييق على نشاطهم في كل دول العالم ومعهم كل تيارات الإسلام السياسي. من يعتقد أن «الإخوان» ما زالوا محتفظين ولو باحترام بسيط في المجتمعات فهو أمام حالتين؛ إما أنه مغيب عما ما يحدث في العالم من تطورات حول موقف الدول من هذه التيارات و«الإخوان» تحديداً، وإما أنه شخص قرر أن يدفن رأسه في الرمال كي لا يرى ولا يسمع ما يدور حوله من قبل الدول الفاعلة في السياسة الدولية ضد «الإخوان». هناك ما يدعوني للاعتقاد بأن ملف «الإخوان» يسير نحو التضييق وربما الإغلاق بالكامل في أغلب دول العالم. آخر تلك المؤشرات الدالة على ذلك، تصريحات وزير الخارجية الكندي جون بيرد، يوم الخميس الماضي في القاهرة حيث قال: «نحن قلقون من الإخوان». وهو مؤشر أجد أن له دلالته من حيث المكان (مصر) مقر «الإخوان»، ومن حيث الزمان بعد فترة بسيطة من تحرك بريطانيا لفتح تحقيق حول نشاط «الإخوان» وفكرهم. وهناك مؤشر آخر قد يبدو للمراقب بسيطاً، لكن له دلالة لمن يتذكر كيف بدأت محاصرة تنظيم «القاعدة» أو نظام صدام حسين والمراحل التي مرت بها ذلك الأمر إلى أن تم تدمير الجهتين بالكامل أو مطاردة منتسبيهما. حيث تبدأ القصة بخبر أو بقضية ضد شخص في المحاكم في الدول الغربية وتكبر حولها القصة مثل «كرة الثلج المتدحرجة» إلى أن يتم تدميرها بالكامل. وفي هذا أدان الادعاء العام الأميركي في منهاتن أحد قادة «الإخوان» في الغرب -أبو حمزة المصري- بأنه يروج للجهاد من لندن. كما أفاد المركز الدولي لدراسة التشدد في جامعة كينغز كولدج في لندن، يوم الخميس الماضي، أن المقاتلين الأجانب في سوريا يتبعون سلطات روحية تتخذ مقراً لها في الغرب، خاصة في أستراليا والولايات المتحدة. لم يعد بوسع أي مراقب محايد أن يدعي بأن الموقف ضد «الإخوان» مقتصر على مصر التي صنفتهم حركة إرهابية في يناير الماضي، ولا على السعودية قبل شهرين، أو القول بأن دولة الإمارات تحارب جماعة «الإخوان»، فالأمر اليوم بات عالمياً على الأقل في الدول الصانعة للسياسة الدولية، وبالتالي فإن هناك حالة محاصرة لهذا الفكر، ماعدا طبعاً حالتي قطر وتركيا، باعتبار الأولى تدعم جماعة «الإخوان المسلمين»، أما الثانية فإن رئيسها ورئيس وزرائها تنحدر جذورهما السياسية من «الإخوان». والواقع أن حالة الغضب المجتمعي في الدول العربية وصلت حداً جعلت الشارع العربي يستهدف كل ما هو إخواني حتى المفردة نفسها أصبحت مزعجة للسامع ولو كان من «الإخوان» نفسه. المعنى أن المؤشر العام يسير نحو العزلة المحلية والإقليمية والدولية لـ«الإخوان المسلمين». وكالعادة؛ حينما يظهر أي تضييق سياسي على جماعة أو فرد في الدول العربية تأتي إيران لتلعب دور المنقذ لها والبحث عن ثغرة سياسية في الدول العربية لتبدأ ممارسة هوايتها في تدمير المجتمع وتمزيقه. ومثلما حدث مع حركة «حماس» عندما أصبحت شوكة ضد الدول العربية، ومصر تحديداً. كذلك فعلت في لبنان والبحرين. وقد جاءت إيران لتمثل طوق نجاة لـ«الإخوان» في مصر الأسبوع الماضي عندما كشفت التحقيقات المصرية عن تحركات لوفود من السفارة الإيرانية في مصر للتواصل مع «الإخوان»، فتم استدعاء القائم بالأعمال الإيراني وإبلاغه بأن التواصل مع أفراد المجتمع ينبغي أن يتم من خلال القنوات الرسمية. الحملة المجتمعية في 30 يونيو الماضي التي فوضت المرشح الرئاسي عبدالفتاح السيسي، الذي كان يشغل وقتها وزير الدفاع المصري يبدو أنها جعلت من «الإخوان» خارج التأثير الفاعل وهم اليوم قلقون من حالة المحاصرة العالمية لهم. فقد كانت تفاصيل «الربيع العربي» فرصة لتغيير «ذهنية» المواطن العربي وقناعات الحكومات الغربية لحقيقة هذا التيار الذي يرفض أن يعمل كما تعمل الأحزاب السياسية حقيقة. كما يرفض إلى الآن القيام بعمليات «تجميلية» لإقناع الرأي العام بأنه يعمل لمصلحة المجتمع والدولة على الأقل من أجل استرجاع مكانته، وهذا يعود إلى النوايا الحقيقية لهذه التيارات وهو السعي نحو تخريب المجتمع والدولة. حالة الاستنفار الدولي، خاصة الغربي ضد «الإخوان»، وحالة التقارب مع إيران المعروفة باستغلالها للمشاكل الداخلية، هي إدانة أخلاقية وقيمية لهم والتغطية الإعلامية لأفعالهم توثيق لتاريخ الجماعة تجعل «الإخوان» في قفص الاتهام في قيمها، وبالتالي لن ينفع الخطاب السياسي الخاص بهم والذي عادة ما يرسم دور الضحية. المتغير الغربي في محاربة «الإخوان» هو الجديد باعتبار أن حلقات الدائرة اكتملت وأصبحوا يشعرون بأن هناك التفافاً للحبال حول عنقهم بعدما التفت الحبال المحلية بشكل كبير، وبالتالي بات هناك تراجع حقيقي في نشاط «الإخوان» مقارنة بفترة ما قبل «الربيع» وما بعده. بل هناك مصاعب حقيقية يواجهها «الإخوان» في باقي دول العالم، بما فيها تركيا التي تشهد مظاهرات ضد رئيس الحكومة أردوغان. «الإخوان» في كل دول العالم باتوا يدركون أكثر فأكثر أن لا ملجأ لهم من عاصفة عالمية قد تقتلع أحلامهم السياسية التي خططوا لها منذ أكثر من ثمانين عاماً ولم يعد أمامهم من فرصة سوى القيام بمراجعة داخلية لفكرهم وإعادة قراءة المتغيرات العالمية الحاصلة وإلا سيكون مصيرهم نهاية مدمرة لتاريخ الحركة كلها، خاصة أن الحرب ضدهم باتت حقيقية. إن مسألة قبولهم مجتمعياً لم تعد ممكنة حتى لو قاموا بتنازلات سياسية حقيقية لأن مسألة الاطمئنان لهم لم تعد ممكنة، وبالتالي فإن منهج تعامل قيادات «الإخوان» مع حالة الغضب المحلي والدولي هو الذي سيقرر مصيرهم خلال المرحلة المقبلة.