إذا كان الإسرائيليون يحتفلون كل عام بذكرى «هشوآه» بالعبرية أو الهولوكست باليونانية أو النكبة بالعربية، ليتذكروا ويذكروا العالم بالجرائم الوحشية التي ارتكبتها النازية ضد يهود أوروبا، فإن على العرب أن يواصلوا إحياء ذكرى النكبة الفلسطينية في شهر مايو من كل عام. هذه النكبة يجب أن تبقى ذكرياتها المأساوية في الأذهان على الأقل إلى أن يتحقق للشعب الفلسطيني حقه في تقرير المصير وإقامة دولة مستقلة. إن الوجه الآخر لهذه النكبة عند الإسرائيليين يسمى «عيد الاستقلال» الذين يحتفلون فيه بإنشاء دولة إسرائيل على أنقاض الشعب الفلسطيني. إنهم مازالوا ينظرون بتقديس إلى ما يسمونه وثيقة إعلان الاستقلال التي وقع عليها دافيد بن جوريون وعدد من الشخصيات الصهيونية في الرابع عشر من مايو 1948. عندما نقلّب وثائق تلك الفترة نكتشف أن هذا الإعلان ظل طي الكتمان وروعي التنبيه على جميع المدعوين لحضور اجتماع إصدار الإعلان بالحفاظ على الدعوة ومضمونها في إطار من السرية إلى أن يتم الاجتماع في قاعة المتحف بتل أبيب. وإمعاناً في السرية، فقد تم توزيع الدعوة باللغة العبرية قبل يوم واحد فقط من موعد الاجتماع الذي انعقد في 14 مايو. لقد أطلقت وثيقة إعلان الاستقلال عدة تبريرات لإقامة الدولة؛ أولها مبرر تاريخي يستند إلى مقولة صهيونية تروج لكون اليهود المعاصرين ورثة للعبرانيين القدماء. لقد عمل على تفنيد ذلك الادعاء ودحضه بالبحث التاريخي البروفيسور «شلومو ساند»، أستاذ التاريخ اليهودي في إسرائيل في كتابه «اختراع الشعب اليهودي». لقد بين هذا الباحث اليهودي الإسرائيلي أن يهود أوروبا، الذين أسسوا الحركة الصهيونية على أساس فكرة أنهم امتداد للعبريين الذين عاشوا في فلسطين قديماً، لا علاقة لهم بهؤلاء القدامى وأنهم منحدرون من قبيلة الخزر الأوروبية. لقد اعتنقت هذه القبيلة التي كانت لديها مملكة في جنوب روسيا الديانة اليهودية. وبعد ذلك انتشر أبناؤها في أنحاء أوروبا وهم يدينون بهذا الدين وأسسوا الحركة الصهيونية بعد أن تعرضوا لاضطهاد المسيحيين الأوروبيين لقرون طويلة. لقد استندت قيادة المنظمة الصهيونية العالمية ممثلة في بن جوريون، إلى هذه المقولة التاريخية الهشة في ارتكاب عدد كبير من المذابح قبل وبعد إصدار وثيقة إعلان الاستقلال. كان أشهرها مذبحة قرية دير ياسين الواقعة بالقرب من القدس والتي هاجمتها قوات مشتركة من الهاجاناه التي يقودها بن جوريون والآراجون تسفائي ليئومي بقيادة مناحيم بيجين في التاسع من أبريل 1948. كان عدد سكان القرية حوالى سبعمائة شخص غير مسلحين تم قتل 250 منهم بدم بارد وجرح 300 واقتياد 150 طفلا وامرأة مقيدين كأسرى. لقد كشف المؤرخ «بن مورس»، وهو إسرائيلي، عن أن سلسلة المذابح التي بدأت في أبريل كانت بناء على خطة وضعتها قيادة بن جوريون ولم تكن مجرد أعمال فردية. إننا هنا أمام جرائم منظمة أسست لقيام دولة إسرائيل على أنقاض شعب عربي ما زال في المنفى وتحت الاحتلال.