أينما التفتَّ في العالم العربي، وجت آثاراً تاريخية بارزة شهيرة. مهددة بالخراب والزوال. إما بتأثير الحروب واللصوص في بعض الأحيان، أو بسبب الإهمال في أحيان أخرى، فمن المعروف أنَّ دول هذه المنطقة، وبخاصة مصر وبلاد الشام والعراق واليمن مهد أبرز الحضارات البشرية، حيث امتلأت متاحف الدنيا في العواصم العربية والأوروبية وغيرها بآثار مصر الفرعونية وحضارة الرافدين، وفقدت كميّات من هذه الآثار في ظروف مختلفة، فيما يهدد الخراب والزوال معالم تاريخية بارزة لا تقدر بثمن، مثل «أبو الهول» و«البتراء»، ومدن تاريخية ذات عطاء ثقافي معروف مثل مدينة «زبيد» باليمن. وفيما يتعرَّض الماضي العربي كحاضره إلى مخاطر لا تحصى، تعلن لجنة «اليونسكو» المكلفة بالحفاظ على التراث العالمي كل عام تقريباً، عزمها النظر في إدراج المزيد من المواقع العربية في قائمتها المعروفة المتميزة. ففي يونيو 2012 مثلاً، اقترحت إدراج 38 موقعاً عالمياً خلال دورتها التي كانت ستنعقد قريباً في روسيا. ومن بين المواقع العربية التي ذكرتها الصحف، مكان ولادة السيد المسيح في كنيسة المهد بفلسطين، ومسار الحجاج في بيت لحم، وصيد اللؤلؤ في البحرين، وموقع قلعة الزبارة الأثري في قطر. وثمة آثار عربية لم تدرس حتى الآن رغم أهميتها الكبرى في معرفة تاريخ تطور اللغة العربية نطقاً وكتابة. فقبل عامين مثلاً، أكّد الأكاديمي السعودي د. سالم بن طيران، أنه عثر في منطقة «نجران» على عدد كبير من النقوش المدَّونة بالقلم «المسند»، الذي كتبت به الممالك العربية القديمة في جنوب الجزيرة العربية، وذلك لقرب منطقة نجران من حواضر تلك الممالك. وجاء في حديثه لنفس الصحيفة في 30 - 03 - 2012، «أن عدد النصوص العربية الجنوبية القديمة - نصوص المسند - التي أمكن حصرها في منطقة نجران حتى الآن بلغ نحو 1500 نص، من أهمها موقع الأخدود الأثري». وقال طيران حول أهمية هذه النصوص، «إن علاقة اللغة العربية بالنقوش علاقة وطيدة جداً، فالمسند خط دُوّنت به لغة عرب جنوب الجزيرة العربية قبل الإسلام في فترة الألف الأولى قبل الميلاد، واستمر هذا الخط في الاستخدام إلى مجيء الخط العربي الحالي». وعن أصل التسمية قال إنهم «أطلقوا عليه اسم «خط المسند» لأنهم اعتادوا إسناد نقوشه المكتوبة على ألواح حجرية أو معدنية بشكل أفقي في مبانيهم الدينية والدنيوية، وفكرة الكتابة بخط المسند مستمدة من تلك الأبجديات الهجائية التي انتشرت في بلاد الشام وصحراء سيناء، الأبجدية الأوغاريتية والسينائية، إذ أدى اتصال عرب جنوب الجزيرة العربية بالأمم والشعوب في تلك المناطق إلى إطلاعهم على أبجديات الهجائية، فابتكروا على هديها خطاً جديداً يتألَّف من تسعة وعشرين حرفاً. وتعود أقدم نقوش خط المسند إلى القرن الثامن قبل الميلاد». تبدو مدينة «البتراء» الشهيرة في الأردن كمعلم أثريٍّ راسخ، لن ينال منه الزمان وتعاقب الأيّام. وفي عام 2012 تمّ الاحتفال بالذكرى المائتين لاكتشاف العالم السويسري «جون لود ويغ بروكهارت» هذه المدينة، وفي عام 2007 أدى استطلاع عالمي للرأي باسم «البتراء» واحدة من عجائب الدنيا السبع الجديدة، أي المضافة إلى العجائب السبع المعروفة، إلى تدفق السياح الجدد، الذين وصل عددهم إلى 2500 سائح يومياً، كان الكثير منهم غير مدركين قواعد الزيارة في الموقع. وبعكس ما يوحي به اسم البتراء، وهي كلمة مشتقة من PETRA بمعنى الصخر في اللغة اللاتينية، فقد «نحت الأنباط البتراء في الحجر الرملي، تلك الصخور الناعمة التي يسهل تدميرها بسبب الرياح والأمطار والزلازل والفيضانات، وقد تدهور كثير من الآثار الأكثر تعرضاً لهذه العناصر بالفعل إلى حد كبير. علاوة على ذلك، هناك الآلاف من الأفراد الذين يعيشون ويعملون ويزورون البتراء بصورة يومية، والذين يلقون الكثير من الضغوط على المواقع». ويقول زائر لموقع، سألت دليلي في الزيارة عن رأيه بشأن هشاشة البتراء، فقال «ليس هُناك أثر خالد»، وعبر عن اعتقاده بأنّ «على الحكومة أن تسمح لأكبر قدر من الأفراد بزيارة الموقع. وفي النهاية إذا حدث زلزال فسوف تزول البتراء». ويضيف كاتب المقال في الصحيفة عن بعض السكان «أن نسبة 85% من البتراء لم يتم استكشافها بعد»، ومن هنا فسيبقى الكثير من المدينة حتى إن زال ما اكتشفه منها «بروكهارت». ولعلَّ أشهر تماثيل العالم ورسوم الدول، تمثال أبو الهول، رمزاً لمصر، وحارساً يقظاً لها وللأهرامات، حيث يرقد ملوكها، منذ 4500 سنة، وما زال التمثال حافلاً بالكثير من الألغاز والأسرار، التي حاول المستكشفون والمغامرون والعلماء دوماً حلها، ومن بينها السراديب والممرات السفلية الممتدة تحت التمثال والأهرامات. ويقول صلاح سليمان في مقال له، نشره موقع إيلاف في 04 - 02 - 2014، إن «الحضارة الفرعونية القديمة معروفة بالممرات والدهاليز السرية، حتى أن عالم المصريات الدكتور أحمد فخري، أثناء قيامه بحفريات بجوار هرم دهشور في العام 1950، استمع إلى صوت رياح مجهولة المصدر، دفعته للتصريح علانية بأنَّ هناك ممراً غير مكتشف تحت الهرم». ويؤكد عالم المصريات «سكايز» وجود شبكة من الأنفاق موجودة بالفعل تحت الأهرامات وتحت تمثال أبو الهول. ويرى عالم آخر وجود مثل هذه الغرف والأنفاق. ويضيف مقال سليمان إن العالم هيوارد فايزي قام في عام 1840 بحفر حفرة في ظهر أبو الهول باحثاً عن حجرات أو كنوز داخله. وعندما وصل إلى عمق 27 قدماً لم يستطع الاستمرار في الحفر نظراً لصلابة الصخور، فاستسلم وتركها. «وقد ظلَّ تمثال أبو الهول معظم الوقت مدفوناً حتى رقبته في الرمال التي حمته من غوائل الزمن، حتى اكتشافه في العصور الحديثة، ومنذ ذلك الوقت، تحوَّل إلى فريسة لعوامل التعرية الجوية، خصوصاً أن الحجر الجيري الذي يتكوَّن منه التمثال هش». ويذكر العلماء أن التمثال الذي يمتد 48 متراً كان ضحيَّة عمليات ترميم خاطئة أثّرت في شكله. ويقول العالم المصري «زاهي حواس» إنَّ محاولة ترميمه من عام 1982 إلى عام 1987 كانت مضرَّة «إذا استخدم فيها الإسمنت وبطريقة بشعة للغاية بسماكة حوالي ثلاثة أمتار». ويقل عالم الطقس «جيم أندروز» على مدونته إن جميع المعالم التاريخية التي رافقت رحلة الإنسان، ومنها تمثال أبو الهول، ستتآكل كل أمام أعين البشر يوماً إثر يوم. ويعتقد أن التضاريس التي تحيط بأبو الهول تسمح بتكرر تعرضه لكميات غزيرة من الأمطار، رغم الطبيعة الصحراوية، مضيفاً أنّ الأمطار ليست وحدها السبب في تآكل المَعْلم، حيث إن وجوده في الصحراء يجعل منه عرضة للرياح التي تصاحبها أتربة يكون عرضة لـ «صفعات» متكررة من الرمال على مدى عشرات القرون. أما العامل الثالث فيكمن في كون وجه أبو الهول يقع على منطقة تتضَّمن مياهاً جوفية غنيّة بالملح». أما نصيحة العالم فهي أن «من الأفضل أن يسارع السياح بزيارتها قبل أن تختفي عن الأنظار». وتتعرَّض مبان أثرية أخرى في مصر لمخاطر الانهيار ومنها قلعة قايتباي بالإسكندرية. وقد حذَّر خُبراء وعلماء من خطورة وضع القلعة «بسبب تعرض الصخرة الأم المقامة عليها القلعة للتآكل والنخر والشروخ، ما تسبب بامتلاء كهوف تقع أسفل الصخرة بماء البحر، وطالبوا بالتحرك بسرعة لإنقاذ ثانية أهم القلاع الإسلامية التاريخية، محذرين من إمكان حدوث زلزال وشيك في المنطقة أو زيادة التآكل بفعل الزمن ما يؤثر في سلامة القلعة ويهددها بالانهيار قريباً. ويذكر أن قلعة قايتباي بناها السلطان الأشرف أبو النصر قايتباي عام 1477 ميلادية مكان فنار الإسكندرية القديم. وقد قامت لجنة حفظ الآثار العربية عام 1904 بتجديدها وإصلاحها». وتعد مصر من دول العالم القليلة التي تملك آثاراً تستحق العرض والمشاهدة لكل مراحل تاريخها. فهي غنية بالآثار الفرعونية والإسلامية والحديثة والمعاصرة على حد سواء. وبجانب معابد وتماثيل مصر القديمة هُناك المساجد والكنائس والأديرة والقصور والفلل الجميلة. وتدور في مصر معركة طويلة منذ سنين لحماية بعض هذه المباني الحديثة ذات القيمة الهندسية، حيث يحاول الورثة هدمها لإقامة مبان جديدة ومجمعات في مكانها! لم يسعفنا المجال للحديث عن مدينة «زبيد» العريقة باليمن، المهددة بالخروج من قائمة التراث العالمي، ولا عن آثار سوريا، حيث نهبت المتاحف وسرقت الآثار، ولا عن العراق وليبيا!